آية (186):
* (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) هذه الآية جاءت بين آيات الصيام فلماذا؟ (د.فاضل السامرائى)
بعدها قال (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ (187)) هذا يدل على أن الصيام من دواعي الإجابة، وقوع هذا الدعاء بين آيات الصيام إرشاد للعباد إلى أن يلحوا بالدعاء، ويكثروا منه؛ لأن الصائم مجاب الدعوة في صومه، وعند فطره.
*ما دلالة استخدام (وإذا) بدل (وإن)؟( د.فاضل السامرائى)
قبل هذه لم يقل: فقل لهم إني قريب، وإنما تكفل تعالى بالإجابة مباشرة، كما خاطبهم مباشرة (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)، لم يقل: قل لهم كتب عليهم الصيام، كذلك في الدعاء لم يقل: قل لهم، وإنما قال: (فإني قريب) مع أنه في آيات أخرى عندما يكون هناك سؤال يقول: قل، مثلاً (يسألونك عن المحيض قل هو أذى)، فنلاحظ أن معظم سألك في القرآن يأتي بعدها (قل)، أما في هذه الآية، فقد تكفل الله تعالى بالإجابة مباشرة، هو يُدعى سبحانه وتعالى بلا واسطة، وهو يجيب مباشرة. ثم إنه قال (أجيب دعوة الداع)، ولم يقل إن شئت، أو إن شاء ربك كأنه أجاب، بينما نلاحظ في آية أخرى ( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) الأنعام) لم يقطع، بينما في آية الصيام الإجابة لا بد أن تكون إما يعجل له، أو يُدّخر له، أو يرد عنه بمقدارها من الأذى كما في الحديث، أجيب دعوة الداع، لم يعلقها بشيء.
أما استخدام (إذا) فلأنه أراد سبحانه وتعالى أن يكثر الناس من الدعاء؛ لأن (إذا) تفيد الكثير والمقطوع، ولم يقل (إن)، فالمطلوب أن يكثروا من الدعاء، ويلحوا في الدعاء، و(إن) تستعمل للشك المحتمل الوقوع والنادر والمستحيل الوقوع، أما (إذا ) فهي لمقطوع الوقوع أو كثير الوقوع، (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ (180) هذا مقطوع الوقوع ، وقال (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) هذه قليلة.
قال (إذا سألك)، وقال (إذا دعان) وهذه إشارة إلى أن المطلوب من العبد الإكثار من الدعاء، وعليه أن يكثر من الدعاء، وفيها أن الدعاء شرط في الإجابة (أجيب دعوة الداع إذا دعان)، جعل الله تعالى الدعاء شرط الإجابة، ومن باب التوكيد قدّم الإجابة على الدعاء، مثلاً: إذا جئت إليّ أُكرمك، أنت بنيت كلامك على الإجابة، حتى النحاة يقولون: حين تقول: أكرمك إن جئتني، بنى على الإخبار بالإكرام، وهنا ربنا بنى على الإجابة، الإجابة بفضل الله متحققة، والله تعالى يريد من العباد أن يدعوا، والدعاء شرط الإجابة. وقال تعالى (أجيب دعوة الداع)، وليس أجيب الداعي؛ لأن الدعوة هي المطلوبة بالذات، أي يجيب الدعوة، وربنا يغضب إذا لم يدعوه العبد، ويحب الملحاح في الدعاء، وغضب ربنا على أقوام لأنهم لم يدعوه (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ (43) الأنعام) (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) المؤمنون) (قل أعوذ برب الفلق) أي ادعُ وقلها لا في نفسك فقط، عندما يقول أعوذ، يعني أنه يحتاج لمن يعينه، فينبغي أن يقولها.
*ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة البقرة (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)؟( د.فاضل السامرائى)
في هذه الآية تقدّم جواب الشرط على فعل الشرط، ومعناه أن الله تعالى يجيب دعاء العبد حتى قبل أن يبدأ بالدعاء. وفي الآية لفتة أخرى أنه في سياق القرآن كله عندما تأتي الآية فيها: وإذا سألك، أو يسألونك يأتي الردّ من الله تعالى لرسوله (قل)، إلا في هذه الآية، فقد جاء الردّ مباشرة من الله تعالى لعباده في خطاب مباشر ليس بين الله تعالى وعباده أي وسيط، حتى لو كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم). فما على العبد إلا الدعاء، والله تعالى يجيب دعاء عباده، فسبحانه وتعالى.
* ما الفرق بين ذكر الياء وعدم ذكرها في (عِبَادِي) (عِبَادِ)؟( د.فاضل السامرائى)
هذه ظاهرة في القرآن، عبادي وعبادِ، أيهما الأكثر حروفاً؟ عبادي، فعندما يقول عبادي تكون أكثر من عبادِ مناسبة لسعة الكلمة وطولها وسعة المجموعة (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ (186) البقرة) كل العباد تسأل، هذا لا يخص عبداً دون عبد، إذًا هي كثيرة. (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) كل العباد مكلفون أن يقولوا التي هي أحسن.
(فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) لم يقل: يستمعون الحسن، وإنما أحسنه، وهؤلاء قليل.