آية (68):
*لماذا جاءت (ناصح) باسم الفاعل(وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) الأعراف)مع أنها جاءت بعدها بصيغة الفعل ؟(د.حسام النعيمى)
لو تأملنا الآية، النظر في كلام الله سبحانه وتعالى يُظهر أو يبين عِلل الاختيار. في الآية الأولى (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62)) هذه مع نوح (عليه السلام) (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)) فاستعمل الفعل (أنصح) وبالاستمرارية أي بالفعل المضارع الذي فيه معنى التجدد والاستمرار لأنه مستمر في نُصحهم.
الآية الأخرى في السورة نفسها عن هود (عليه السلام) (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)) استعمل اسم الفاعل (ناصح). علماؤنا هنا يقولون هناك فرق بين التُهمتين: التهمة الأولى الضلال اتهموا نوحاً بأنه في ضلال، ضالّ والضلال هو التيه ضال أي تائه أي بعيد عن الصواب، بعيد عن الحق، بعيد عما هو عليه آباؤنا والضلال وصف غير ثابت يتغير بسرعة، تقول للإنسان مثلاً هذا طريق ضلال انحرف إلى هنا تحوّل إلى هنا فيتحول ليس فيه هذا التشبث أو التمسك لما يكون ضال في الطريق أنت في أفكارك أنت ضال تحول إلى أفكارنا عد إلى عبادة ما نعبد والأمر سهل بدل أن تعبد ربك اعبد أصنامنا فأنت في ضلال يمكن أن يتغير فلما كان الأمر يتعلق بشيء سهل التغيير استعمل الفعل في الرد عليه لما كانت التهمة تتعلق بفعل استُعمِل الفعل في الجواب عنه لكن لما كان الأمر يتعلق بشيء يكاد يكون ثابتاً في الإنسان وهو السفاهة، الإنسان السفيه هذه خِلقة، السفاهة نوع من الحمق.
لكل داء دواء يستطب له إلا الحماقة أعييت من يداويها
ومن معنى السفاهة الحمق ورجعت إلى لسان العرب السفه في الأصل الخِفّة والطيش والسفيه الجاهل والساذج الأحمق. الضلال أمر طارئ يمكن أن يتحول عنه أما السفه يمكن أن يتحول عنه لكن بمدة طويلة يكاد يكون بهذا الشكل فلما كان الأمر يتعلق باتهام ثابت يكاد يكون ثابتاً احتاج لنفيه أن يستعمل اسم الفاعل الذي هو دال على الثبات. الكوفيون يسمون اسم الفاعل الفعل الدائم لأن فيه معنى الدوام فاستعمل النصح الثابت في مقابل التهمة الثابتة واستعمل النصح المتغير المتطور في مقابل الصفة المتغيرة المتحولة العارضة فهناك مناسبة في استعمال هذا اللفظ ولذلك العلماء ناصح لا تستقيم في المكان السابق وكلمة أنصح لا تستقيم في هذا المكان. في دقة التعبير لا تستقيم لأن هناك لما استعملوا الشيء العارض ينبغي أن تجيبهم بشيء عارض وهنا لما استعملوا الشيء الثابت ينبغي أن تجيبهم بشيء ثابت (أنصح) فيه تجدد واستمرار لكن فيه نوع من التحول والتغير ليس فيه هذا الثبات، ناصح تقابل السفاهة اتهامه بالسفه ولم يكتف بهذا (كلمة ناصح) وإنما الجملة الأخيرة في الآية (وأنا) يريد أن يزيل عن نفسه هذه التهمة، لاصقة هذه السفاهة وإنما قال: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (نفس اللفظة التي قيلت عن نوح ولكن زاد عليها (وأنا) استعمال المتكلم (لكم) وليس لغيركم كأنه تخصيص (وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) نوع من التأكيد باستعمال الجملة الاسمية واستعمال ضمير المتكلم ومجيء هذه اللام التي هي للإيصال يعني أنا لكم، لأجلكم، أنا من أجلكم، هذا اللفظ يناسب ما تقدم وذلك اللفظ يناسب ما تقدم.
الآية 79 (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) والآية 93 (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) الكلام فيهما بصيغة الماضي فلا موضع لاسم الفاعل فيهما ولذا فهما ليسا مما يقابل الآية 68.

اترك تعليقاً