* لماذا جاء في سورة الأعراف قوله تعالى: (وأبلغكم رسالة ربي) في قصة سيدنا لوط وجاءت (وأبلغكم رسالات ربي) مع باقي الرسل وجاءت (حقيق على أن لا أقول) في قصة موسى عليه السلام؟(د.حسام النعيمى)
نلاحظ الآية الأولى في قصة صالح (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)) جاءت(رسالة) بالإفراد نجد أن الكلام في قوله تعالى (هذه ناقة الله لكم آية) إذن هناك معجزة وهي الناقة (فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) إذن هذا تحذير: رسالة الله عز وجل بشأن هذه الناقة إلى قوم صالح أنه إذا مسستموها بسوء سيأخذكم عذاب أليم. إذن الكلام ليس عن الرسالة التي هي الشريعة والدين وإنما على المعجزة أن هذا المخلوق لا تمسوه بسوء. المقصود بالرسالة هو التحذير من قتل الناقة هذه هي الرسالة (أحذّركم من أن تقتلوا الناقة) هم قتلوها فإذن وقع عليهم العذاب. إذن هي ليست الرسالة السماوية ولو كانت الرسالة السماوية سيقول رسالات كما جاءت عند الأنبياء الآخرين بمعنى مفردات الأوامر والنواهي لأن كل أمر هو رسالة. أما هنا القضية تتعلق برسالة واحدة بقضية واحدة: عدم قتل الناقة، (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)) مسألة واضحة: حذّرتكم ونصحت لكم ألا تتعرضوا لها بسوء إذن هذه هي الرسالة.
لكن لما ننتقل إلى بقية الرسالات وبقية ذكر الرسل الآخرين: الآيات على ألسنة أنبياء: الأولى على لسان نوح ، هم قالوا (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)) فقال (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)) أي هذه الجزئيات، والثاني على لسان هود (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)) والثالثة على لسان شعيب (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)). عندما يستعمل كلمة رسالات يعني الدين أو الشريعة بهذه الجزئيات المتعددة والمتفرقة. والرسالة كانت لقضية واحدة لتحذير واحد.
ورد على لسان موسى (عليه السلام) (حقيقٌ علي) الكلام على لسان موسى (عليه السلام) (فيها قراءتان: حقيقٌ عليّ وهذه قراءة سبعية، وحقيقٌ على أن لا أقول هذه قراءة جمهور القرّاء) الكلام من موسى إلى فرعون (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)) عاش موسى عليه السلام في بيت فرعون مدة طويلة وفرعون كان يقول لهم (ما أريكم إلا ما أرى) و (أنا ربكم الأعلى), هؤلاء حوله يقولون ما قاله وهو من صغره لم يكن يعلم هذه المقولة ولكنها قيلت له. فرعون يعلم أنه ليس ربّاً ولأنه لا يملك أن يصنع شيئاً كما يفعله الربّ سبحانه وتعالى فيعلم أن من حوله يكذبون وموسى(عليه السلام) يعلم أن من حول فرعون زمرة تعيش بالكذب على هذا المسؤول يكذبون عليه. فرعون يتعامل مع السحرة ويعلم أنهم يكذبون وموسى يعلم أنهم يكذبون. لما نأتي إلى قوله تعالى(إن هذا لمكر مكرتموه), وفي قوله تعالى في سورة الشعراءك (إنه لكبيركم الذي علمكم السحرة) فرعون يعلم أن موسى ليس كبير السحرة فموسى نشأ في بيت فرعون لكنه هو أيضاً يكذب لكنه يريد أن يشيع كلمة يخرج بها إلى الناس أنه حدث مؤامرة على فرعون: كبير السحرة موسى والسحرة تلامذته خدعوا فرعون ولذلك سيقتص منهم. موسى يعلم أن هذا الرجل محاط بكذابين ويعتقد أن كل من يكلمه كذاب لذلك لا بد أن ينبهه (حقيق) بمعنى جدير وخليق بي أن لا أقول على الله إلا الحق فاعلم أني إنسان صادق لست كالذين يكذبون عليك فكان من الضروري أن ينبههم إلى أنه هو إنسان صادق ليس كهؤلاء الذين يحيطون به. فالقضية هنا ليست قضية إني جئت مرسلاً وإنما صادق في قولي ورسول من رب العالمين. ولاحظ رسالة موسى (عليه السلام) كم هي محدودة ولذلك هم إلى الآن لا يرضون أن يدخل أحد في دينهم وكذلك رسالة عيسى (عليه السلام) (إنما جئت لهداية الخِراف الضالة من بني إسرائيل) فرسالته محصورة ببني إسرائيل ثم هم أخرجوه. الرسالة العالمية الوحيدة هي رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) فكل رسالة موسى عليه السلام(أن أرسل معي بني إسرائيل) فقط.