*أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8*
س- ما هو تفسير الآية؟ وما دلالة حذف ضمير المخاطب؟
د فاضل السامرائى: أولاً: السائل كان يسأل عن المعنى. الضال يعني الضال عن علم الشرائع أي لم يكن يعلم علم الشريعةكما في قوله تعالى: (مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ (52) الشورى) (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) و العائل هو الفقير.
هذه الآيات مرتبطة بالآيات السابقة قال تعالى: (ما ودعك ربك وما قلى) (وللآخرة خير لك من الأولى) ومرتبطة ايضاً بالقسم في أول السورة:(والضحى والليل إذا سجى) والآية (ألم يجدك يتيماً فآوى) تؤكد أن ربه لم يودعه ولم يقله وكذلك في (وجدك ضالاً فهدى) وهي كلها تصب في ( وللآخرة خير لك من الأولى) فالإيواء خير من اليتم, والهداية خير من الضلالة ,والاغناء خير من العيلة , فكلها مرتبطة بالآية (ما ودعك ربك وما قلى) وتؤكد معناها.
(وللآخرة خير لك من الأولى)، فالله تعالى لم يترك رسوله (صلى الله عليه وسلم) ليتمهِأو لحاجته أو للضلال هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هي مرتبطة بالقسم فقد أقسم الله تعالى بالضحى والليل وما سجى واليتم ظلمة والايواء هو النور وكذلك الضلال ظلمة والهدى نورقال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) سورة البقرة، والحاجة والعيلة ظلمة أيضاً والغنى نور وبهجة.
في هذه الآيات بدأ سبحانه وتعالى بالظلمة ثم النور (اليتم ثم الايواء، الضلال ثم الهدى، العيلة ثم الغنى وهذا ليناسب ويتوافق مع قوله تعالى (وللآخرة خير لك من الأولى) والأولى هي الظلمة أما الآخرة فهي النور وهي خير له من الأولى.
س- لماذا لم يقسم سبحانه بالليل إذا سجى أولاً ثم الضحى؟
ج- الضحى هو نور الوحي وكان السكون بعد الوحي وكان القسم على إثر انقطاع الوحي, فانقطاع الوحي هو الذي تأخر وليس العكس لذا جاء (قسم الضحى)أولاً ثم الليل.
س- لماذا تكررت كلمة ربك في هذه السورة؟
ج- الرب معناه انه هو المعلم والمربي والمرشد والقيم, وكل آيات السورة مرتبطة بكلمة الرب قال تعالى:(ألم يجدك يتيماً فآوى….) اليتيم يحتاج لمن يقوم بأمره ويرعاه ويعلمه ويوجهه ويصلح حاله, وهذه من مهام الرب, واليتيم يحتاج هذه الصفات في الرب أولاً, ثم إن الضال يحتاج لمن يهديه والرب هو الهادي, والعائل أيضاً يحتاج لمن يقوم على أمره ويصلحه ويرزقه, فكلمة الرب تناسب كل هذه الاشياء وترتبط بها ارتباطاً أساسياً.وكثيراً ما ارتبطت الهداية في القرآن الكربم بكلمة الربقال تعالى: (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) (يهديهمربهم بإيمانهم) (الحمد لله رب العالمين….اهدنا الصراط المستقيم)
س- لماذا حذف المفعول للأفعال: فآوى، فأغنى، فهدى مثلما حذف في فعل قلى؟
ذكر المفسرون هنا عدة آراء منها أن الحذف هو لظهور المراد لأنه تعالى كان يخاطب الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمعنى واضح. وقسم قال:إنها مراعاة لفواصل الآيات حتى لا يقال آواك وأغناك وهداك فتختلف عن فواصل باقي الآيات ولكن كما سبق آنفاً, قلنا:إن القرآن الكريم لا يراعي الفاصلة على حساب المعنى مطلقاً وهي قاعدة عامة في القرآن: المعنى أولا ثم الفاصلة القرآنية ومثال ذلك الآية في سورة طه قال تعالى:
(إلهكم وإله موسى فنسي) وكانت الفاصلة في باقي السورة مختلفة وعليه فان الحذف هنا جاء للإطلاق والدلالة على سعة الكرم. فآوى بمعنى فآواك وآوى لك وآوى بك وأغناك وأغنى لك وأغنى بك وهداك وهدى لك وهدى بك. فلو قال سبحانه وتعالى(فوجدك عائلا فاغناك) لكان الغنى محصوراً بالرسول (صلى الله عليه وسلم) فقط لكن عندما أفاد الإطلاق دل ذلك على أنه سبحانه أغنى رسوله وأغنى به وبتعليماته فيما خص الإنفاق وغيره خلقاً كثيراً وأغنى له خلقاً كثيراً وكذلك آوى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وآوى به خلقا كثيراً بتعاليمه الكثيرين وتعاليمه كانت تحض على رعاية اليتامى وحسن معاملتهم واللطف بهم وآوى لاجله الكثير من الناس لأن من الناس من يؤوى اليتامى حبًا برسول الله وطمعا في صحبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الجنة كما ورد في الحديث: أنا وكافل اليتيم كهاتين أاشار إلى أصبعيه. وكذلك بالنسبة للهداية فالله تعالى هدى رسوله الكريم وهدى به خلقاً كثيراً ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) وهدى له ولأجله من أراد سبحانه وتعالى. إذن خلاصة القول أن الحذف هنا جاء لظهور المراد وفواصل الآيات وسعة الاطلاق كلها مجتمعة لا يتعارض أحدها مع الآخر. وكذلك تناسب سعة الاطلاق هنا قوله تعالى:(ولسوف يعطيك ربك فترضى). فالحذف هنا جاء للعموم والاطلاق في المعنى.

س- هل الفعل آوى وهدى وأغنى هل يتعدى بنفسه؟
ج- آوى فعل متعدي بذاتهقال تعالى: (فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ (26) الأنفال) (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ (69) يوسف). آوى متعدي وهدى متعديقال تعالى: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات) لكن الحذف للإطلاق. وهذا الإطلاق لإكرام الرسول (صلى الله عليه وسلم). ولو قال (آواك) تكون معنى واحداً وهذا يسمى الإطلاق, والإطلاق هذا من أمور التوسع في المعنى واحد من أسبابه. والآية تحتمل المعاني الثلاثة آواك وآوى بك وآوى لك، وهداك وهدى بك خلقاً كثيراً وهدى لك.
في سورة الضحى ما قال (وما قلاك) وهذا من باب الإكرام. قال تعالى (ما ودّعك) والتوديع يكون بين المتحابين فلما قال (ما ودّعك) يعني كما يفعل المُحِبُّ لحبيبه لكن ما قال له وما قلاك لأنه أراد أن يكرّمه. لا تقول لأحد أنا لم أشتمك ولم أسبك ولا تواجهه وإنما تقول أنا لم أشتم, وهذا إكرام له أكثر من أن يواجهه بفعل السوء لأن القلى يكون بين المتباغضين بخلاف التوديع فيكون بين المتحابين. فلا يقول وما قلاك إكراماً له (صلى الله عليه وسلم) فقال (وما قلى). إذن هو إكرام في ذِكر المفعول به في التوديع (ما ودعك) وفي حذف المفعول به في القلى (وما قلى) إكراماً وإجلالاً له من أن يناله الفعل. الحذف (وما قلى) فيه إكرام للرسول (صلى الله عليه وسلم) وذكر المفعول في ودّعك إكرام له.
أما في الآية:(ألم يجدك يتيماً فآوى) الإيواء والهداية والإغناء (أغناك وأغنى بك وأغنى لك) أفعال متعدية وتكون هنا للإطلاق (فآوى، فهدى، فأغنى).

س- لماذا ترتيب الآيات على هذا النحو, (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيما ًفَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8))؟
ج- هذا هو الترتيب الطبيعي في الحياة. اليتم يقال لمن فقد والديه أو أحدهما وهو دون سن البلوغ فإذا بلغ انتفت عنه صفة اليتم. وإذا بلغ دخل في سن التكليف الشرعي فهو يحتاج إلى الهداية ليتعلم كيف يسير في الحياة قبل أن يكون فقيرا أو غنيا وكيف يجمع المال الحلال لأن كل مال جمع من غير طريق الهداية هو سحت ثم تأتي العيلة وهي أمر آخر بعد البلوغ من الناس من يكون فقيرا أو غنيا وعلى الاثنين أن يسيرا وفق التعاليم التي تعلماها بعد البلوغ مباشرة وهذا طبيعي ويمر به كل الخلق فهذا هو التسلسل الطبيعي في الحياة.لذا فقد بدأ سبحانه بالحالة الاولى (اليتم) ثم إذا بلغ تأتي الهداية في المرتبة الثانية، وثالثاً العائل والغني يجب أن يسيرا على الهداية.

اترك تعليقاً