آية (127):
*هل يُضمر القول في القرآن الكريم؟( د.فاضل السامرائى)
أحوال القول والمقول يمكن أن نجمل أهم أحكامها في عبارات صغيرة.
الأصل والأكثر أن يذكرالقول والمقول (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاغُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة)، القول هو الفعل، و(سمعنا وأطعنا) هو المقول.
ويمكن أن يحذف فعل القول، ويذكر المقول، لا يصرح بـ قال أو يقول، لكنه مفهوم، وهذا كثير أيضاً مثال:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة) هذا مقول القول، ولم يقل: قالا أو يقولان ، حذف الفعل وأبقى المقول.
أحياناً يذكر فعل القول لكنه يحذف المقول، ويكون المقول ظاهرا في السياق عكس الحالة السابقة مثل (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) يونس) ما القول؟ هم لم يقولوا أسحر هذا ولا يفلح الساحرون؟ وإنما قالوا: هذا سحر، قول (أسحر هذا) هو قول موسى، وأضمر مقولهم هم، وهو مفهوم من السياق.
وهنالك حالة أخرى أن يذكر مقولين لقائلين مختلفين، ويحذف فعل القول منهما الاثنين، ويتصلان كأنهما مقولان لقول واحد، لكن المعنى واضح من السياق مثل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) هم قالوا (ما كنا نعمل من سوء)، والرد (بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون)، هذا ليس قائلاً واحداً، وإنما هذا قائل آخر، وحذف فعل القول، لم يقل قالوا ما كنا نعمل من سوء، ولم يقل قال بلى، والأمرمفهوم من السياق، فحذف فعل القول من الاثنين، وأدمج المقولين.
وهنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول ومقوله، ويدرج معه قول لقائل آخر، فيبدو كأنهما مقولان لشخص واحد لكن الحقيقة غير ذلك، مثل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف)، قال يوسف (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) هذا كلام يوسف، هي رمته بالخيانة (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25))، وسيدنا يوسف يتحدث عن العزيز (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) أنه لم يخن العزيز بالغيب، (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53)) هذا كلام يوسف أيضاً، (ذلك) أي الكلام الذي قالته امرأة العزيز، كلامها هي (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف) وانتهى كلامها، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)).
وفي قوله تعالى (يوسف أعرض عن هذا ()) يكلم شخصين، لكن القائل واحد.
هنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول، لكن لا يذكر المقول، وإنما يذكر فحواه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ (31) إبراهيم) قل، هذا فعل القول، ولم يذكر المقول، وإنما ذكر الفحوى: يقيموا الصلاة، هذا فحوى قوله تعالى، وليس القول، لم يقل أقيموا الصلاة، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) هذا ليس نص القول، وإنما فحواه.
فهذه أبرز أحوال القول في القرآن الكريم، ولكل حالة من هذه الحالات دلالتها وسياقها الذي تروى فيه.

اترك تعليقاً