آية (184):
*(أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) لماذا معدودات وليس معدودة؟( د.فاضل السامرائى)
فيها أمران من حيث اللغة، قد تكون معدودات تقليلاً لها؛ لأن معدودة أكثر، الجمع في غير العاقل معدودات تدل على القلة، ومعدودة تدل على الكثرة ،هذا قياس في اللغة.
في غير العاقل: المفرد يدل على الكثرة، والجمع يدل على القلة، ويستشهدون بقولهم: الجذوع انكسرت (الجذوع كثرة فاستعمل انكسرت بالمفرد)، والأجذاع انكسرن (الأجذاع قِلّة فاستعمل انكسرن بالجمع).
وفي الآية (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (36) التوبة).
جمع القلة يكون من واحد إلى عشرة، قالوا (أياماً معدودات) تقليلاً لهن تهويناً للصائم.
وقسم يقول إنها في أول فرض العبادة كانت ثلاثة أيام في كل شهر، ولم يبدأ بالشهر كاملاً، ثم نُسِخ، وجاء شهر رمضان فصارت معدودات، ثم قال شهر رمضان بعد هذه الأيام.
المعدودات تدل على القلة (حتى العشرة)، ومعدودة أكثر من عشرة، وإذا رجعنا إلى كتب التاريخ نجد أن العرب تؤرخ بالليالي (لثلاث خلون، لأربع خلون، يأتي بها بالجمع) (لإحدى عشرة ليلة خلت يأتي بها بالمفرد، لتدل على الكثرة) ونلاحظ في العدد نقول: ثلاثة رجال، عشرة رجال، أحد عشر رجلاً، مائة رجل، مليون رجل.
*أياماً ما هو اليوم؟
المشهور: الأيام بمقابل الليالي (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا (7) الحاقة).
*قال تعالى:(فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لماذا على سفر؟( د.فاضل السامرائى)
يقال لأنه أباح للمتهيئ للسفر أن يفطر إذا اشتغل بالسفر قبل الفجر،على سفر، أي لم يسافر، وإنما هو متهيئ للسفر مثل (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ (283)) أي تتهيؤون. وقالوا: لو كان يعني المسافر، فالمتهيئ للسفر لا يحق له الإفطار. لذا قال أو على سفر، ومعناها أنه أباح للمتهيئ للسفر أن يفطر.
(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) كلمة يطيقونه فيها كلام، قسم قال: المقصود أنهم في بدء الإسلام عند بداية الفريضة لم يكونوا متعودين على الصوم، فمن شاء يصوم، ومن شاء يفدي.
في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لما نزلت هذه الآية كأنهم فهموا أنهم مخيّرون بين الصوم والافطار، ما المقصود بـ (يطيق)؟ قسم قالوا: هذه الآية نسخت؛ لأنه فعلاً في أول الاسلام كانوا مخيرين، من شاء يفطر ويفدي، ومن شاء يصوم. وقسم قال: أطاق أي تكلفه بمشقة وصعوبة، وتكون الهمزة للسلب يعني سلبت طاقته وجهده.
الفعل الثلاثي: طاق، أي تحمل، وأطاق فيها خلاف، ما هذه الهمزة؟ هل أطاقه بمعنى قدر عليه؟ أو أنها همزة السلب أي سلب طاقته؟ يعني الذي لا يستطيع، الصوم يسلب طاقته، بحيث لا يتمكن من أن يصوم فيفدي (طعام مسكين)، وإذا كانت بمعنى التحمّل يصوم (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) الصيام أفضل.
الفدية مرهونة بعدم الصيام، فرب العالمين رخص بالفدية للشيخ الكبير الهِرم، والمريض الذي لا يرجى شفاؤه.
* (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) ما اللمسات البيانية في هذه الآية؟( د.فاضل السامرائى)
ذكرنا ما المقصود بـ(على سفر) و(الذين يطيقونه) و(فمن تطوع خيراً فهو خير له) بأن زاد على القدر المذكور، أو فعل أكثر من المطلوب يُطعم مسكينين أو أكثر، أو يجمع بين الصيام والفدية وبين الإطعام والصيام، وقال (وأن تصوموا خير لكم) يعني: أيها الأصحاء أن تصوموا خير لكم، ملتفتاً من ضمير الغائب (على الذين يطيقونه) إلى المخاطب (وأن تصوموا). كان يمكن أن يقال في غير القرآن، وأن يصوموا، لكنه تحوّل من الغيبة إلى الخطاب؛ لئلا يخص المرضى والمسافرين، لأنه لو قال: يصوموا خير لهم، لكان هذا يخص المرضى والمسافرين، ولتداخل مع قوله (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ)، لكن هذه أعم كل من هو مرخص له بالإفطار، من صام خير له، وليس هؤلاء فقط .
وإذا صح الكلام أنه في أول الصيام كان مخيراً بين الفدية والإطعام، قبل أن يفرض شهر رمضان، فلما قال أن تصوموا خير لكم دخل الجميع فيه، وشمل المرخّص لهم وغيرهم، ولم يعد خاصاً بالمرضى والمسافرين، فهذا الالتفات كان للجمع، وهذا اسمه التفات في الخطاب.
*هل البَدَل يفيد التوكيد؟( د.فاضل السامرائى)
للبدل عدة أغراض منها:
أن يكون للإيضاح والتبيين، كما في قوله تعالى (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) البقرة) طعام مسكين، إيضاح للفدية.