آية (40):
* ما الفرق بين اسلك واحمل في الآيات (فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (27) المؤمنين) (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود)؟ (د.فاضل السامرائى)
اسلك معناها أدخِل (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (32) القصص) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) المدثر) أما اجمل فمن الحِمل معروف. الدلالة مختلفة ونرى هل طبيعة اسلك في نفس وقت احمل؟ أيها الأسبق أُسلُك أو احمل؟ أُسلك أسبق أولاً يدخل ثم يحمل. الآن ننظر في قصة نوح نفسها متى قال أُسلك؟ ومتى قال احمل؟. آية هود قال فيها احمل (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)) الأمر جاء وصنع الفلك. في آية المؤمنون (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)) هناك صنع الفلك وجاء الأمر. أُسلك قبل الحمل، عندنا حالتان حالة قبلها قبل الفعل وحالة قالها بعد الفعل، مع الأمر احمل وقبل الأمر أُسلك. القدامى قالوا السياق من أهم القرائن الدالّة على المعنى. لما نسمع أُسلُك يجب أن نفهم أن الأمر لم يصدر بعد ولما نسمع احمل يكون الأمر قد صدر.
*ما دلالة فعل جاء في الآية ((فإذا جاء أمرنا وفار التنور))؟ (د.فاضل السامرائى)
إذا نظرنا في القرآن كله نجد أنه لم تستعمل صيغة المضارع للفعل جاء مطلقاً في القرآن كله ولا صيغة فعل أمر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول وإنما استعمل دائماً بصيغة الماضي. أما فعل أتى فقد استخدم بصيغة المضارع.
من الناحية اللغوية: جاء تستعمل لما فيه مشقة أما أتى فتستعمل للمجيء بسهولة ويسر ومنه الالمتياء وهي الطريق المسلوكة.
قال تعالى في سورة النحل: (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}) وقال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)) هنا أشقّ لأن فيه قضاء وخسران وعقاب.
* ما دلالة ضمير التعظيم في قوله تعالى ( قلنا ) ( أنزلنا) ؟ (د.فاضل السامرائى)
قال وأنزل تأتي بلفظ الإفراد وبلفظ التعظيم يأتي بـ قلنا وأنزلنا. إذا كان في مقام التعظيم يسنده إلى مقام التعظيم يقول (قلنا) وإذا كان في مقام التوحيد يكون في مقام الإفراد، يقول تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) طه) إذا كان في مقام التوحيد يُفرِد وإذا كان في مقام التعظيم يجمع. وقسم أيضاً يقول أنه إذا كان أمر الله بواسطة المَلَك يلقيه يأتي بضمير الجمع وإذا لم يكن كذلك يُفرِد. على سبيل المثال: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء) لأن النافخ تمثل لها بشراً سوياً بواسطة ملك أما عن آدم فقال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) ص). إذا كان الأمر بواسطة الملك يجمع (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) الملك يبلِّغ هذا. هذا أمر عام، لكن هناك أمر آخر نذكره وهو أنه في كل مقام تعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على الإفراد في القرآن كله. لا تجد مكاناً للتعظيم إلا وسبقه أو جاء بعده ما يدل على الإفراد (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) هذه تعظيم ثم يقول بعدها (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) رب واحد إفراد ما قال بأمرنا. لو قرأنا في سورة النبأ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) ثم قال: (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا (36)) بعد كل جمع تعظيم إفراد. ليس هناك في القرآن موطن تعظيم إلا سبقه أو جاء بعده ما يدل على المفرد (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) الكوثر) لم يقل فصلِّ لنا. هذا لم يتخلّف في جميع القرآن مطلقاً. إذن عندنا مقام تعظيم ومقام توحيد، يجمع في مقام التعظيم ويفرد في مقام التوحيد ويقال أنه إذا كان بواسطة المَلَك يجمع مع احتراز أنه ليس هنالك مقام تعظيم إلا وقبله أو بعده إفراد.
*ما دلالة كلمة (أهلك) في قوله تعالى في سورة هود: (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40})؟(د.فاضل السامرائى)
أهلك هنا اسم أو فعل؟ الحكم القاطع هو اسم بمعنى الأهل وهناك مرجحات وهناك ما يقطع مبدئياً من الترجيح فالآية تشير أن الهلاك لم يحصل بعد لأنهم لم يركبوا. فالركوب لم يحصل ولم يحصل الهلاك فلا يصح أن تعتبر كلمة (أهلك) بمعنى الإهلاك. والأمر الآخر أنه لو كان (أهلك) فعل بمعنى الهلاك عادة يكون الاستثناء مفرّقاً والاستثناء المفرّق لا يكون إلا مسبوقاً بنفي أو ما يشبه النفي. (أهلك إلا من سبق عليه القول) مفرّق وليس مسبوقاً بنفي وهذا ما يُضعّف أن يكون أهلك بمعنى فعل الإهلاك.
أما الآية (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) في سورة المؤمنون فالضمير يعود على الأهل إذن نستدلّ من هذه الآية أن المقصود هو الأهل وليس فعل الإهلاك وهذه كلها مرجّحات. أما ما يقطع بأن المقصود هم الأهل فهو أنه لو كان أهلك فعل ماضي سيكون الناجون قسمين الأول (من سبق عليه القول) والثاني (من آمن) إذن من سبق عليه القول غير من آمن إذن فالناجون اثنين المؤمنون ومن سبق عليه القول وهؤلاء ليسوا مؤمنين لكن في الواقع أن الناجين هم المؤمنون فقط لذا فلا يمكن ولا يصح أن تكون النجاة لغير المؤمنين.
وهناك سؤال فني آخر: استدللنا بما في سورة المؤمنون (وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) وفي آية سورة هود لم ترد منهم. وقد سبق القول عليه بالهلاك والعذاب ؟ المقصود بقوله تعالى: (المجيء على) تعني العذاب كما في قوله تعالى: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) اللام تفيد الخير. والأهل هم من المؤمنين من آمن منهم ومن آمن من غير الأهل هم الناجون.
*ولماذا قال تعالى في آية هود (احمل) (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40}) وفي سورة المؤمنون: (فاسلك) (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) فما المقصود بالسلوك؟ (د.فاضل السامرائى)
سلك هو النفاذ في الطريق كما قال تعالى: (فاسلكي سبل ربك) سورة النحل وقد يأتي فيها معنى الدخول (ما سلككم في سقر) أما الحمل فيكون بعد السلوك أولاً يدخل السفينة ثم يحمل بعد دخوله. في سورة هود ذكر ما دلّ على الحمل لأن الحمل جاري في السفينة (حمل السفينة للأشخاص) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها وهي تجري بهم بمعنى تحملهم (يا نوح اهبط بسلام) إذن سورة هود فيها حمل. بينما في سورة المؤمنون لم يذكر الحمل أو صورة الحمل (وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين).
والقول (من سبق عليه القول) أعمّ من القول (من سبق عليه القول منهم) فسورة هود مبنية على العموم وليس على الخصوص (إلا من سبق عليه القول ومن آمن) فلم يذكر تعالى من آمن أي هي أعمّ، وكذلك الآيات (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) (يا أرض ابلعي ماءك) (بُعداً للقوم الظالمين) (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وأمم ممن معك وأمم سنمتّعهم) أما في سورة المؤمنون فالسياق في التخصيص فذكر تعالى السلام والبركات في سورة هود وهذا دليل العموم، وفي سورة المؤمنون لم يذكر السلام والبركات وإنما خصص كما في الآية (أنزلني منزلاً مباركاً)، ولهذا ذكر (منهم) و(اسلك) في سورة المؤمنون ولم يذكرهما في سورة هود.
* كلمة اثنين ترد أحياناً مع زوجين (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40)هود) وأحياناً لا ترد (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات) فما اللمسة البيانية في ورودها وعدم ورودها؟ (د.فاضل السامرائى)
اثنين معناه ذكر وأنثى (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) ذكر وأنثى، (وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (3) الرعد) تأنيث وتذكير، (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (45) النجم) ذكر وأنثى، (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) القيامة) في آية الذاريات قال (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) قال وهذا ليس مقصوداً فيه الذكر والأنثى وإنما عموم المتضادات والمتقابلات مثل البروتون والإلكترون، هذان زوجان. الزوج هو الواحد في الأصل (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) البقرة) (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ (90) الأنبياء) الزوج هو واحد وتطلق على الذكر والأنثى، الرجل زوج والمرأة زوج وهذه أفصح اللغات أما (زوجة) فهذه لغة ضعيفة، لكن اللغة الفصحى هي زوج للذكر والأنثى والاثنان زوجان.