*ما دلالة الحروف المقطعة في أوائل بعض السور في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى)
القدماء انتبهوا إلى أن السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة بُنيت على ذلك الحرف، فمثلاً سورة ق تتكرر فيها الكلمات التي فيها حرف القاف مثل: (قول، رقيب، القرآن، تنقص، ألقينا، باسقات، الخلق)، وكذلك سورة ص تكثر فيها الكلمات التي فيها حرف الصاد مثل: (مناص، اصبروا، أصحاب، صيحة، فصل، الخصم)، حتى إنهم عملوا إحصائية في (الر)، وقالوإنها تكررت فيها الكلمات التي فيها (الر) 220 مرة، هذا قول القدامى.
العلماء جمعوا الأحرف المقطعة، وقالوا عندما نجمعها نجد أنها (14) حرفاً، تمثّل نصف حروف المعجم، وجاءت في 29 سورة، وهي عدد حروف المعجم، نصف الأحرف المجهورة، ونصف الأحرف الشديدة، ونصف المطبقة، ونصف المنقوطة، ونصف الخالية من النقط، ونصف المستقرة، ونصف المنفتحة، ونصف المهموسة، ونصف المستعلية، و نصف المقلقلة، و نصف الرخوة، وهكذا.
هذه الأحرف المفرّغة من المعنى رُكبت تركيباً خاصاً، فصارت آيات مبينة موضحة، وهي موضع الإعجاز، وموضع التحدي للعرب الفصحاء. وهم يقيناً أدركوا هذا المعنى، وإلا لكانوا سألوا عنه.
قسم من العلماء قالوا: إنها تشتمل على أنصاف الأحرف، فمثلاً كل سورة بدأت بـ (الم) تذكر بدء الخلق (حرف الألف)، ووسط الخلق (حرف اللام)، ونهاية الخلق (حرف الميم).
وقسم قالوا: إن كل السور التي تبدأ بحرف (ط) تبدأ بقصة موسى أولاً، وهناك من جعل منها معادلة رياضية، فقال: إن كل سورة فيها (الم) نسبة الحروف ألف إلى لام تساوي نسبة الحروف لام إلى ميم.
وقسم يجمع الحروف في جمل، وقسم أجروها على الطوائف، فجعلوا من الأحرف الأربعة عشر جملاً متعددة، وقسم جعلها رموزاً لأمور ستقع، مثلما قالوا في (حم عسق)، ففي تفسير ابن كثير إشارة إلى أمور في واحد من آل بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، وقسم كانوا يجمعون على حساب الجمل فيجعلون الألف واحدا، وهكذا.
والم هي حروف متقطعة، وليست كلمات، وإن كان قسم من القدامى حاولوا أن يجمعوا هذه الأحرف، ويستخرجوا منها جملاً، ولاحظوا أن كل طائفة تضع جملة تنصر بها طائفتها، وقسم يقول لو جمعت الأحرف تحصل على جملة “نص حكيم قاطع له سر”، سألتمونيها، اليوم تنساه، وقسم يقول: يا أوس هل نمت؟ أو: الوسمي هتّان (أي المطر ينزل)، هويت السمان، تُجمع منها عبارات، يجمعون من الأحرف بصور مختلفة، كل واحدة لها معنى.
سؤال: هل كانت العرب تتكلم في لغتها العربية بالأحرف المقطعة؟
كلا، ويقولون: إن القرآن استخدمها لشد انتباههم؛ لأنها غير مألوفة في كلامهم.
والقول الفصل فيها أنها حروف لها سر من قبل الله تعالى لا نعلمه، أو أنها من المتشابه الذي لا نعلمه، وقد يكون هذا الرأي أكثر قبولا، لكن كل ما سبق ملاحظات جديرة بالاهتمام أيضاً.
انتبه القدامى أيضاً إلى أن السور التي تبدأ بهذه الأحرف تستخدم فيها هذه الأحرف بكثرة، يعني التي تبدأ بالصاد تكثر فيها الكلمات الصادية، في سورة ص ذكر الخصومات، الخصم، يختصمون، مناص، صيحة، اصبروا، صيحة، اصبر، وفي سورة ق تتردد الكلمات التي فيها قاف: ق والقرآن المجيد، إذ يتلقى المتلقيان، قعيد، سائق، تشقق، ثم استدلوا بالإحصاء فضربوا مثالاً بسورة يونس التي تبدأ بـ الر، وفي هذه السورة تكررت الكلمات التي فيها راء كثيراً(فيها 220 راء) ، وأقرب السور إليها سورتا النمل والنحل.
ثم الملاحظة أن كل السور التي تبدأ بالطاء (طه، طس، طسم) كلها تبدأ بقصة موسى أولاً، كلها بلا استثناء، ويبدو كما يقولون أن الحروف المذكورة أولاً تطبع طابع السورة فتكون من باب السمة التعبيرية.
ليس هذا فقط، ولكن قبل سنوات أخرج دكتور مهندس كتاباً عن المناهج الرياضية في التعبير القرآني، استخدم فيه الكمبيوتر، وهو يقول أنه لاحظ أن الأحرف المذكورة في بداية السور تتناسب في السور تناسباً طبيعياً، فالتي تبدأ بـ (الم) تكون الألف فيها أكثر تكراراً في السورة، ثم اللام ثم الميم، وليس هذا فقط، وإنما نسبة الألف إلى اللام مثل نسبة اللام إلى الميم، هذه معادلة رياضية، حتى إنني ناقشته، وسألته: هل راجعت المصحف وطبقتها عليه، فقال: نعم طبقتها على المصحف، لكنه وجد القرآن متفرداً بها.
والذي عليه الكثيرون أن هذه من دلائل الإعجاز، بمعنى أن هذا القرآن المبين الواضح مكوّن من هذه الأصوات غير المبينة في ذاتها، وأن القرآن جاء بكلام معجز من جنس كلامهم، (فأتوا بمثله إن استطعتم)، والسلف كانوا يوكلون معاني هذه الأحرف لله تعالى

اترك تعليقاً