*ما الفرق البياني بين قوله تعالى (من مثله) و(مثله)؟
*د.فاضل السامرائى :
تحدّى الله تعالى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع، فقال تعالى في سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23))،
وقال في سورة يونس (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)) وفي سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)).
*أولاً: ينبغي أن نلحظ الفرق في المعنى بين (من مثله) و(مثله)، ثم كل آية تنطبع بطابع الفرق هذا. فإذا قلنا مثلاً : إن لهذا الشيء أمثالاً فيقال: ائتني بشيء من مثله، فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء، أما عندما نقول : ائتني بشيء مثله فهذا لا يفترض وجود أمثال، لكنه محتمل أن يكون لهذا الشيء مثيل، وقد لا يكون، فإن كان موجوداً ائتني به، وإن لم يكن موجوداً فافعل مثله. هذا هو الفرق الرئيس بينهما.
هذا الأمر طبع الآيات كلها، أولاً: قال تعالى في سورة البقرة (وإن كنتم في ريب)، وفي آيتي سورة يونس وهود قال تعالى (افتراه)، وبلا شك (إن كنتم في ريب) هي أعمّ من (افتراه)، لأن مظنة الإفتراء أحد أمور الريب، يقولون ساحر، يقولون يعلمه بشر، يقولون افتراه، فأمور الريب أعم وأهم من الافتراء، والافتراء واحد من أمور الريب.
والأمر الآخر: أننا نلاحظ الهيكلية قبل الدخول في التفصيل (وإن كنتم في ريب) أعمّ من قوله (افتراه) و(من مثله) أعمّ من (مثله) لماذا؟ المفسرون وضعوا احتمالين لقوله تعالى (من مثله) فمنهم من قال: من مثله، أي من مثل القرآن، وآخرون قالوا: إن من مثله، أي من مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة، أي فأتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول (صلى الله عليه وسلم). وعليه فإن (من مثله) أعمّ؛ لأنه تحتمل المعنيين، أما (مثله) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً، وهو مثل القرآن، ولا تحتمل المعنى الثاني. الاحتمال الأول أظهر في القرآن، ولكن اللغة تحتمل المعنيين، وعليه فإن (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) أعم من (أم يقولون افتراه فأتوا بسورة مثله) لأن إن كنتم في ريب أعمّ من الافتراء، و(من مثله) أعمّ من (مثله).
ثم هناك أمر آخر: وهو أنه حذف مفعولي الفعلين المتعديين (تفعلوا) في قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا)، والحذف قد يكون للإطلاق في اللغة، كأن نقول: “قد كان منك ما يؤذيني” فهذا خاص و” قد كان منك ما يُؤذي” وهذا عام. وإن كان المعنى في الآية هنا محددا واضحا، لكن الحذف قد يعني الإطلاق عموماً (وسياق التحديد ظاهر جداً، والحذف قد يأتي في مواطن الإطلاق).