آية (2):
*ما الفرق بين أنزلناه (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) وجعلناه (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف)؟
د.فاضل السامرائى:
في سورة يوسف ذكر ما يتعلق بالإنزال، قال:(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)) هذا إنزال، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) أنزل هذا الخبر، أنزل هذه القصة لأنها كانت مجهولة عند العرب أصلاً لذلك رب العالمين عقّب عليها (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ (102) وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) ما كان معلوماً وقد أُثير سؤال (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7)) وكان سؤال اليهود: ما الذي أحلّ بني إسرائيل مصر؟ هذا سؤالهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) وهذا اختبار وهم يعلمون أنه (صلى الله عليه وسلم) أميّ ليس عنده علم بالتوراة فسألوه وهو في مكة لكن بعثوا من يسأله من باب التحدي “ما الذي أحلّ بني إسرائيل مصر؟” فتنزل سورة كاملة للإجابة على التحدي فيبيّن لليهود أنه (صلى الله عليه وسلم) يعلم دقائق الأمور وفصّلها أوفى مما في التوراة. ليس هذا فقط وإنما اختار عبارات إعجازية ليست في التوراة وحتى لو كان مطلعاً على التوراة وحفظها لكان ما ذكره في القرآن أوفى. التوراة لم تذكر العزيز أبداً وإنما تذكر رئيس الشُرَط أو تذكر اسمه. القرآن سماه العزيز ثم عرفنا مؤخراً أن هذه أدق ترجمة لما كان يُطلق على صاحب هذا المنصب في ذلك الوقت. كان يسمى “عزيز الإله شمس” اسم صاحب هذا المنصب مؤخراً عرفناه، ربنا لم يقل “عزيز إله شمس” لأن هذا يكون إقراراً بأن الشمس إله. فأدق ترجمة بما يتناسب مع العقيدة الإسلامية (العزيز) التوراة ليس فيها العزيز. من أعلَم هذا الرجل الأميّ بهذه التسمية؟ التوراة تذكر دائماً موسى وفرعون والقرآن لم يذكر فرعون مع قصة يوسف وإنما يذكر الملك مع يوسف ثم عرفنا فيما بعد (من حجر رشيد) وعرفنا أن الملوك في مصر قسمان: قسم إذا كان من أصل مصري يسموه فرعون وإذا كان من الهكسوس يسموه ملك فهو ملك وليس فرعون والذي كان في زمن يوسف كان من الهكسوس فسمي ملك فهو الملك وليس فرعون. في زمن موسى (عليه السلام) كان الملك مصرياً فسمي فرعون. القرآن يذكر في كل مكان لا يذكر (سيدها) بمعنى الزوج إلا في قصة يوسف قال (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (25)) بمعنى زوجها. ليس في القرآن (سيدها) بمعنى زوجها وعرفنا فيما بعد أن (سيدها) كان يستعملها الأقباط للرجال والبعول وقرأت في الكتب أن كلمة (سيدها) ليست عربية وإنما هي قبطية، استعمالها للزوج لا تستعملها العرب وإنما هي من كلام الأقباط بمعنى بعل أو زوج. نحن عندنا ساد يسود، لكن (سيدها) بهذه الدلالة لا تستخدمها العرب وإنما تستخدم الزوج والبعل. قال تعالى في قصة يوسف (سيدها) ولم يقل في مكان آخر (سيدها). الله تعالى تحداهم بمعلومات لم تكتشف إلا فيما بعد، ذكر القصة بكل دقائقها ثم ذكر أموراً، هذه أنزلناه.
(جعلناه): لم يذكر أموراً تتعلق بالإنزال، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) الزخرف) (أُمّ الكتاب) أين؟ في السماء، (لدينا) أين؟ عند الله عز وجل، (لعلي حكيم) أين؟ في العلو، إذن هذا ليس إنزالاً. ما يتعلق بالإنزال لأنه يتكلم وهو في السماء، في العلوّ، في الارتفاع قبل النزول: (أمّ الكتاب) أي اللوح المحفوظ، (لدينا) أي عند الله، (لعلي حكيم) مرتفع فيه سمو، فكيف يقول إنزال؟. أما الآية الأخرى فإنزال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) الوحي إنزال. (لدينا) ليست إنزالاً، أمّ الكتاب ليست إنزالاً فتحتاج لـ (جعلناه) وليس أنزلناه. نسأل: أيّ الأنسب أنه في مقام الإنزال يستعمل أنزلناه أو جعلناه؟ الأنسب أن يستعمل أنزلناه وفي مقام عدم الإنزال يستعمل (جعلناه). نضع الإنزال مع الوحي والإنزال (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ما كنت تعلمها أنت وقومك) يعني أنزلها إليك، هذه لا علاقة لها بأم الكتاب ولدينا وكلها إنزال.
هل العرب كانت تفهم وضع كلمة في مكانها هكذا وتعلم أن كل كلمة عاشقة لمكانها؟ البلغاء يعلمون ويعرفون في مظانّ الكلام ما لا نعرفه نحن إلا فيما يتعلق بالأمور العلمية التي استجدت فيما بعد هذه لا يعلمونها لكن فيما عدا ذلك يعلمون من مرامي الكلام ما لا نعلمه نحن ولذلك عندما تحداهم بسورة والسورة قد تكون قصيرة جداً لم يأتوا بشيء، لم يتحداهم بآية لأن الآية قد تكون كلمة (ألم) و(مدهامتان) آية، لكن تحداهم بسورة أو بما هو مقدار السورة. كل تعبير في القرآن بمقدار (إنا أعطيناك الكوثر) فهو معجز. أقصر سورة الكوثر هذه معجزة لأنه تحداهم بها أو الإخلاص. فأي كلام في القرآن بمقدار هذ فهو معجز.
*ما خصوصية استعمال القرآن لكلمة القرآن والفرقان (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف) وفي الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان)؟(د.فاضل السامرائى)
الفرقان هو الفارق بين الحق والباطل والتوراة يسمى فرقاناً والقرآن يسمى فرقاناً والكتب السماوية فرقان. والله تعالى يقول: (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) البقرة) البعض يقول الفرقان هي المعجزات، الكتاب التوراة والفرقان المعجزات وإما قالوا الكتاب والفرقان يقصد التوراة نفسها. نقول هذا أبو حفص وعمر، (فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) طه) الظلم هو الهضم. هذا الأصل وليس القاعدة المطلقة. يقولون الكتاب والفرقان الكتاب التوراة والفرقان المعجزات ويقولون الكتاب والفرقان هو نفس الكتاب التوراة وأضاف ذكر كلمة الفرقان كون هذا الكتاب فرقان، أضاف شيئاً آخر لكلمة الكتاب. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) القرآن، (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً (29) الأنفال) هم مؤمنون يجعل لكم فرقاناً وعندها ستميز بين الحق والباطل وتعرف ما يصح وما لا يصح “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك” البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. القرآن هو الاسم العلم على الكتاب الذي أنزل على مجمد (صلى الله عليه وسلم) واسم الكتاب الذي أنزل على محمد القرآن وهذا القرآن فرق بين الحق والباطل إذن القرآن فرقان والإنجيل فرقان والتوراة فرقان والمعجزات فرقان تفرق بين الحق والباطل. (وقرآناً فرقناه) هذا يعني منجّماً.
*هل توجد في القرآن كلمات غير عربية؟ وإذا وجدت كلمات غير عربية فكيف نفسر قوله تعالى: (قرآناً عربياً)؟(د.فاضل السامرائى)
الكلمات التي وردت في القرآن دخلت العربية قبل نزول القرآن وصارت عربية في التعبير، العرب استعملوها. ولا شك أنه ليس كل شيء موجود في الجزيرة العربية، هل كل النباتات موجودة في الجزيرة العربية؟ كل الفواكه؟ كل الألبسة؟ قطعاً لا. وقطعاً لما يصير اتصال في التجارة تدخل مفردات وكلمات وتقارب اللغات يعني تقترب لغة من لغة هذه ليس عندها مثل هذه فتستعمل الكلمات وتدخل لغتها. إذا كان هناك حروف ليست من حروفها تحاول أن تجعل لها حروفاً من حروف اللغة وتدخلها في كلماتها. الكلمات التي في أصولها غير عربية دخلت العربية واستعملها العرب قبل الإسلام بزمن طويل ودخلت في لغاتهم وأعربوها وخضعت للقواعد وأصبحت عربية في الاستعمال ولا نعلم أصولها وقد تكون أصولها غير عربية لكنها الآن أصبحت عربية، قد تكون غير عربية وليست موجودة في الجزيرة العربية مثل سندس واستبرق، العرب لم يكن عندهم مصانع ليستخدموا سندس واستبرق وليس عندهم جميع الأطعمة والفواكه. جميع الكلمات في القرآن عربية الاستعمال قطعاً، القرآن لم يأت بكلمة أعجمية ابتداء وأدخلها في القرآن. لو أردنا أن نرجع للكلمات الدخيلة الذي يذكرها أهل علوم القرآن نجدها كثيرة لكنها كلها دخلت قبل الإسلام والعرب فهمت هذه الكلمات وكانت تستخدمها في لغتها وفي حياتها فأصبحت عربية الاستعمال. الكلمات الأعجمية أوزانها ليست كأوزان العرب أو تجتمع فيها حروف الدال والزاي مثلاً يضعون لها ضوابط للكلمات غير العربية الأصيلة مثلاً كلمة (مهندز) لا تجتمع الدال والزاي، يضعون بعض الضوابط: اجتماع حروف ليس من طبيعة اللغة أن تجتمع في كلامهم فيقولون ليست عربية أو أوزانها. جميع الكلمات الواردة في القرآن الكريم دخلت في لسان العرب قبل الإسلام ودخلت في كلامهم وأعربوها وأصبحت عربية في الاستعمال.

اترك تعليقاً