آية4
د.حسام النعيمى :
كلمة يشاقق هي فعل مضارع لما تكون مجزومة فُكّ إدغامها، شاقّّه يشاقّّه بالإدغام، لما يأتي الجزم للعرب لُغتان منهم من يُبقي الإدغام ويفتح لالتقاء الساكنين، تقول: تكلّم فلان فلم يردَّ عليه أحد (يرُدَّ مجزوم وعلامة جزمه السكون وقد فُتِح لالتقاء الساكنين لأنه حوفظ على الإدغام). و (لن يرُدَّ) تكون الصورة واحدة لكن في الإعراب اختلف وعلامة نصبه الفتحة. (لم يرُدَّ) علامة جزمه السكون وقد حُرِّك بالكسر للتخفيف لالتقاء الساكنين، الدال الأولى ساكنة والدال الثانية المضمومة في يردُّ صارت ساكنة فلما جُزِمت حذفت الضمة فصار ساكنان ففتحت لالتقاء الساكنين. بعض قبائل العرب تقول: تكلم فلان فلم يرُدد عليه أحد (تفُكّ الإدغام). وهما لغتان فصيحتان تكلم بهما القرآن. هنا في الآية (ومن يشاقق) فك الإدغام. وعندنا في الآيات (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) الحشر) أبقى الإدغام. فالعلماء وقفوا لما يكون ذكر لاسم الجلالة وحده يبقى الإدغام، وقسم يقول إذا ذكر الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأن الألف واللام في الرسول طارئة فهي على نية الانفصال فيصير فك إدغام، وبعض العلماء يقول: لا، مع كلمة الله الألف واللام ثابتة فبقي الإدغام. نقول لا، المشاقّة هي أن تكون في شق والثاني في شق ومع الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تكون في شق والله عز وجل في شق فأُبقي الإدغام. وهذا جاء في القرآن الكريم كله هكذا.
* ما الفرق بين استعمال كلمتي عقاب وعذاب كما وردتا في القرآن الكريم؟(د.حسام النعيمى)
هناك رأي لبعض العلماء أن هذه الكلمات هي من لهجات مختلفة فليس بينها فروق ويستدلون بكلمة السكين والمُدية. لكن التدقيق هو ليست الأسماء فقط وإنما أحياناً الاشتقاقات نجد تصرفاً فيها فهذا يدعونا إلى التأمل في جميع الآيات التي وردت فيها هذه اللفظة وننظر هل هي موازية مقارنة للفظة الأخرى؟ هل هناك فارق ولو دقيق؟ نجمع كل الآيات التي فيها كلمة عقب ومشتقاتها عقاب وعاقبة وعوقب ومعاقبة بكل اشتقاقاتها وكذلك كلمة عذّب عذاب يعذب معذب تعذيباً يعذبون. الذي وجدناه في هذا أن العقاب وما اشتق منه ورد في 64 موضعاً في القرآن الكريم والعذاب وما اشتق منه ورد في 370 موضعاً. فلما نظرنا في الآيات جميعاً آية آية وماذا فيها وجدنا أن هناك تناسباً بين الصوت والمعنى: هو العذاب عقاب والعقاب عذاب أنت عندما تعاقب إنساناً تعذّبه بمعاقبته والعذاب نوع من العقوبة أنك تعذّب إنساناً كأنك تعاقبه. لكن يلفت النظر أن الثلاثي هو (ع-ذ-ب) و(ع-ق-ب) إذن العين والباء مشتركة ويبقى الذال والقاف. لاحظ لما نأخذ الفعل عقب كيف ننطق القاف؟ لأن القاف يسمونه في الدراسات الحديثة انفجاري والقدامى يسمونه شديداً يعني يُولد بانطباق يعقبه انفصال مفاجئ مثل الباء، بينما الذال المشددة فيها رخاوة وفيها طول. من هنا وجدنا أن كلمة العقاب تكون للشيء السريع والسريع يكون في الدنيا لأن القاف أسرع. والذال فيها امتداد، هذا الامتداد يكون في الدنيا والآخرة، العذاب يأتي في الدنيا ويأتي في الآخرة. عندما نأتي إلى الآيات نجدها تتحدث عن عقوبة للمشركين في الدنيا يسميه عذاباً وفي الآخرة يسميه عذاباً ولا يسميه عقاباً في الآخرة لا يسميه عقاباً (فعاقبهم الله كذا بإدخالهم النار) لا يوجد (فعذبهم بدخول النار). أما العقاب ففي الدنيا. هذا من خلال النظر في جميع الآيات لكن هناك نظرية تحتاج لتنبيه أنه لما يأتي الوصف لله عز وجل لا يكون مؤقتاً لا بدنيا ولا بآخرة فلما يقول: (والله شديد العقاب) هذه صفة ثابتة عامة يعني هذه صفته سبحانه لكن لما يستعمل كلمة العقاب مع البشر يستعملها في الدنيا لم تستعمل في الآخرة. كذلك العذاب استعملها للعذاب في الدنيا وفي الآخرة واستعملها (وأن الله شديد العذاب) لأن العقاب فيه سرعة وردت في القرآن (إن ربك سريع العقاب) وليس في القرآن سريع العذاب. لذلك نقول هذه اللغة لغة سامية ينبغي أن تُعطى حقها فلا يجوز التنصّل عنها وهي بهذه الروعة وهذا السمو أن الحرف الواحد بتغير صوته تغير المعنى مع أن المعنى متقارب.
بعض الآيات التي تؤكد هذا الذي بيّناه:
العقاب: (إن ربك سريع العقاب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) الأنعام) وصف لله سبحانه وتعالى لكن لم يصف نفسه جلّت قدرته بأنه سريع العذاب. نجد مثلاً آيات العقاب منها (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بُغي عليه لينصرنه الله (60) الحج) عاقب وعوقب في الدنيا، (إن الله شديد العقاب (2) المائدة) صفة عامة، (العاقبة) النتيجة لأنها مأخوذة من عقب القدم هو مؤخر القدم ولذلك يقولون: نكص على عقبيه. فاستعمل العاقبة وليس العقاب، العاقبة استعملها للخير وللشر بينما العقاب لا يستعمل إلا للشر. استعمل العاقبة للخير لأنها بمعنى نتيجة العمل يعني ما يعقب العمل، بدل ما يقول : ما يعقب عملك يكون كذا قال: عاقبة عملك. هي تحمل ما يكون عقب الشيء لأن ارتبطت بعقب القدم. عاقبة هذا العمل بمعنى ما يعقبه، ما يأتي بعده قد يكون خيراً وقد يكون شراً. ولذلك استعمل العاقبة في 32 موضعاً في القرآن كله بهذا الإحصاء (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) آل عمران) هذا في الدنيا، لكن في الآخرة (فكان عاقبتهما أنها في النار خالدين فيها (17) الحشر) نتيجة العمل لأن الكلام على ما يعقب العمل، خير في الدنيا (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)الأعراف) النتيجة التي تعقب هذا العمل هي للمتقين. و(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) طه).
العذاب: الفعل عذّب والعذاب في الدنيا (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5) النمل) عذاب دنيوي (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ)، وفي الآخرة (ولهم في الآخرة عذاب عظيم (114) البقرة)، وجاء بها بمعنى العقاب (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) هذه عقوبة سمّاه عذاباً ما يدل على أن العذاب أوسع من العقاب لأنه يستعمل دنيا وآخرة ويستعمل بمكان العقاب.
الآية في سورة الحشر (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)) الجلاء لم يسمّه عذاباً، أخرجهم لكنه عقاب على عمل أرادوا القيام به لأنهم نكثوا عهدهم مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإذن يستحقون العقاب على النكث لأنهم أرادوا أن يقتلوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن معه لما ذهب إليهم في قصة بني النضير وهي معروفة. (لعذّبهم في الدنيا) (ولهم في الآخرة عذاب النار) (العقاب) هذا الذي فعله بهم عقاب شديد كان أن يخربوا بيوتهم بأيديهم وأن يغادروا بيوتهم لأن صار الرجل منهم يخرب بيته ليأخذ الخشب.