آية (232):
*ما الفرق بين (ذلكم أزكى لكم)و(ذلك يوعظ به)؟
* د.فاضل السامرائى:
الكاف في (ذلك) حرف خطاب، وحرف الخطاب في ذلك وتلك وأولئك قد يطابق المخاطب: ذلك، ذلكما، ذلكنّ حسب المخاطب المشار إليه. ذلكَ المشار إليه واحد، والمخاطَب واحد مفرد مذكر، وذلكِ المشار إليه واحد والمخاطبة امرأة، وذلكما المشار إليه واحد والمخاطب اثنين، وذلكم المشار إليه واحد والمخاطب جماعة ذكور، وذلكنّ المشار إليه واحد والمخاطب جماعة إناث، فهو لا يدل على جمع المشار إليه وإنما أولئك، ذانك، تِلْكُمَا هي شجرة واحدة والمخاطب اثنان، والكاف حرف خطاب ليس ضمير خطاب.
حرف الخطاب في اسم الإشارة فيه لغتان: لغة تجعله مطابقاً للمخاطب مفردا أو مفردة أو مثنى أو جمع ذكور أو إناث ، ولغة تجعله بلفظ واحد وهو الإفراد والتذكير أياً كان المخاطَب، مثل ذلك إذا كانوا أربعة أو خمسة، تلك شجرة، ذلكم كتاب، لك أن تقول ذلكم كتاب هذا ممكن، وذلك كتاب، هذا من حيث اللغة.
لكن يبقى كيف استعملها القرآن؟ مرة يستعملها مفردا، ومرة يستعملها جمعا. في اللغة لا يسأل عنها؛ لأنه الكل جائز من حيث الحكم النحوي، لكن نسأل من الناحية البيانية أحياناً يطابق وأحياناً يُفرِد، لماذا؟ هذا سؤال آخر. هناك فرق بين الحكم النحوي اللغوي، والاستخدام البياني، لماذا استخدم هذا بيانياً؟
هنالك أسباب عدّة لهذا الأمر من جملتها أن يكون في مقام التوسع والإطالة في التعبير، والمقام مقام توسع وتفصيل وإطالة فيأتي بالحرف مناسباً؛ لأن (ذلكم) أكثر من (ذلك) من حيث الحروف، إذا كان المقام كله مقام إطالة يأتي بكل ما يفيد الإطالة لغة، وإذا كان في مقام الإيجاز يأتي بكل ما يفي بالإيجاز لغة.
مثال (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) الأنعام) فيها تفصيل فقال (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) النحل) لأن المقام مقام إيجاز.
وقد يكون في مقام التوكيد، وما هو أقل توكيداً: في مقام التوكيد يأتي بما هو أكثر توكيداً فيجمع، وإذا كان أقل توكيداً يُفرِد، مثال: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (232) البقرة) هذا حُكم في الطلاق قال (ذلكم)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) المجادلة) قال (ذلك) الأولى قال ذلكم، وهذه قال ذلك، أيُّ الحُكمين آكد وأدوم؟ الطلاق آكد وأدوم؛ لأنه حكم عام إلى قيام الساعة، يشمل جميع المسلمين، أما الآية الثانية فهي للأغنياء، ثم ما لبث أياما قليلة ونسخ الحكم (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم ())، فالآية الأولى آكد والحكم فيها عام مستمر، أما الثانية فالحكم متعلق بجماعة من المسلمين، ثم ألغي فالآية الأولى آكد فقال (ذلكم)، ومع الأقل قال (ذلك).