آية (7):
*ما الفرق بين (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا) الطلاق، وبين (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة؟(د.حسام النعيمى)
لو نظرنا في الآيتين سنجد السبب واضحاً. الآية الأولى كانت تتكلم على التكاليف عموماً (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)) في التكاليف وفي أمور الحياة وفي العمل. إذا عمل خيراً يكون له وإذا عمل سوءاً يكون عليه وهذا في عموم التكاليف فقال الله عز وجل (لها ما اكتسبت وعليها ما اكتسبت) فهو كسبٌ واكتساب.
لكن الآية الثانية (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)) الإيتاء هو الإعطاء. لما ننظر في سياق الآية الكلام على المال أي ما آتاها من مال (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) فالكلام على الإنفاق ولما يكون الكلام على الإنفاق الإنسان ينفق. والكلام هو على المطلقات أي ما أعطاها من الرزق، فلا يكلف الفقير أن ينفق ما ليس في وسعه بل لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها من حيث المال عندما يكون هناك إنفاق فبقدر ما عندك تُنفِق (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ) بهذا القدر أي بمقدار ما آتاه الله (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها). أما هناك (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) فهي في التكاليف.
والتي في التكاليف للعلماء وقفة فيها: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) جمهور العلماء قالوا كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) “إذا أمرتكم بأمر فاتوا به ما استطعتم” أي بقدر طاقتكم. الصلاة مثلاً أمر إذا كان الإنسان مريضاً يؤديها بطريقة أخرى فبقدر وسعه وبقدر طاقته ولذلك يقول مثلاً لما وُصِف صفة صلاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) هل وُصِفت وهو (صلى الله عليه وسلم) في داخل الصف أو خارج الصف؟ وصفته وهو إمام خارج الصف يعني منفرداً فإذن هذه صفة المنفرد قد لا تنطبق في بعض جزئياتها على من هو داخل الصف، يقول العلماء المجافاة بين الإبطين عند السجود هي للمنفرد أو جلسة التورك والافتراش هذه للمنفرد الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: صلّوا كما رأيتموني أصلي” لكن لو فعلتها في الصف قد يؤذي جارك، إذا كنت تصلي السُنّة أو تصلي إماماً تفعلها لكن في الجماعة لا تفعلها لأنك قد تؤذي المصلين معك. وقوله (صلى الله عليه وسلم): “فاتوا منه ما استطعتم” أي وأنت منفرد تورّك وافترش وافعل ما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكن لما تجد نفسك قد آذيت جارك اجلس الجلسة الاعتيادية
وقول آخر (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) معناها إن جميع التكاليف هي في وسع البشر لأنه سبحانه و تعالى لم يكلّف البشر شيئاً لا يطيقونه هذا يحتاج إلى استنباط أنه لم يكلفهم ما لا يطيقونه فإذا كانوا لا يطيقون يخفف عنهم. بهذا الشكل حنى نجمع بين الأمرين.
(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) دلالة التنكير للأنفس هي للعموم والشمول أي جنس النفس أيُّ نفس لا يكلفها الله تعالى إلا وسعها، إلا ما تطيقه. الرسول (صلى الله عليه وسلم) لما يقول “إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فانتهوا” في مسألة النهي نقطع فلما نُهينا عن الربا انتهى الأمر لا نقول هذا ربا وهذا رُبيّ ربا خفيف هذا لا يجوز. وإذا أمرنا بأمر نأتي منه بقدر طاقاتنا. أمرنا بالصيام فإذا كان الإنسان مريضاً يخفف عنه. والوسع هنا بمعنى الطاقة أو القدرة (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) أي إلا ما تطيقه، ما تستطيعه.