*ما اللمسة البيانية في كلمة (لكن ليطمئن قلبي) على لسان إبراهيم في آية 260 من سورة البقرة؟و قصة عزير؟(د.حسام النعيمى)
الكلام على لسان إبراهيم (عليه السلام) (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260) البقرة) ينبغي أن نتذكر أولاً أن إبراهيم (عليه السلام) في هذا الطلب كان يخاطب الله سبحانه وتعالى، وكان الله تعالى يخاطبه، وليس وراء مخاطبة الله عز وجل إيمان. يعني حين يكلّم الله عز وجل ويسمعه، ويسمع كلام الله تعالى، هل يحتاج إلى إيمان فوق هذا؟ هل يحتاج إلى دليل؟ هو يناجي ربه وربه يخاطبه، إذًا المسألة ليست مسألة إيمان أو ضعف إيمان، أو محاولة تثبيت إيمان لأن مخاطبة الله عز وجل هي أعلى ما يمكن أن يكون من أسباب الإيمان.
وهو أي إبراهيم (عليه السلام) الأوّاه الحليم، كليم الله عز وجل، فالقضية ليست قضية إيمان بمعنى أنه كان يمكن في غير القرآن أن يقال (أرني كيف تحيي الموتى ليطمئن قلبي) لماذا دخلت (أولم تؤمن قال بلى)؟ الله سبحانه وتعالى يعلم أنه مؤمن، لأنه يكلّمه فكيف لا يكون مؤمنا. والتساؤل هو لتقرير أمر كما قال الله عز وجل في سورة المنافقون (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)) كان يمكن في غير القرآن أن يقول (قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد أن المنافقون لكاذبون)، وإنما وضع بين هذه وهذه (والله يعلم إنك لرسوله) لدفع ما قد يتوهمه إنسان من تكذيب الله عز وجل لهم في الرسالة، فجاءت في مكانها، وهي جملة إيضاح وتثبيت معنى.
هنا قال (أولم تؤمن قال بلى) هذا للسامعين؛ لأن السامع إذا سمع إبراهيم (عليه السلام) يقول: أرني كيف تحيي الموتى سيسأل : ألم يكن إبراهيم كامل الإيمان؟ فحكى لنا قال (أولم تؤمن قال بلى) إذًا أثبت الإيمان لإبراهيم (عليه السلام) حتى لا يخطر في قلوبنا أن إبراهيم (عليه السلام) طلب هذا الأمر ليثبت إيمانه، ما موضع الاطمئنان هنا؟ علماؤنا يقولون إن إبراهيم (عليه السلام) كليم الله عز وجل الأوّاه الحليم كان في قلبه شيء يريد أن يراه، أن يلمسه، أن يرى سر الصنعة الإلهية، أن يرى هذه الصناعة كيف تكون؟.
(أرني) تعني: أريد أن أرى رؤية العين؛ لأن إحياء الموتى لا يُرى، فهو كان يتطلع إلى أن يرى هذا الشيء، والله تعالى لم يجبه: لِماذا تريد أن ترى؟. هؤلاء الأنبياء مقرّبون إلى الله سبحانه وتعالى، هو يختارهم فلا يفجأهم بردٍ يفحمهم. كما قلنا (أولم تؤمن) إعلام للآخرين حتى يثبت إيمان إبراهيم (عليه السلام) ، وأنه كان يريد أن يرى كيف تعمل يد الله تعالى في إحياء الموتى، ولذلك قيل له: خذ أربعة من الطير.
الأربعة يبدو أن الجبال التي حوله كانت أربعة، والجبل هو كل مرتفع صخري عن الأرض وإن كان قليلاً. (فصرهن إليك) أي احملهن إليك، حتى تتعرف إليهن وترى أشكالهن، وهي أيضاً تشم رائحتك، وتتعرف من أنت. ما قال القرآن قطّعهن؛ لأن هذا معلوم من كلمة (واجعل على كل جبل منهن جزءاً).
إذًا أربعة طيور قسمهن أربعة أقسام، ومن كل طير وضع قسماً على جبل، فاجتمعت جميعاً بمجرد أن ناداها، وجاءت إليه مسرعات (يأتينك سعيا).
هذا ليس مجرد إخراج ميت إلى الحياة، وإنما بهذا التقسيم إبراهيم (عليه السلام) كان يريد أن يرى هذا الشيء، ليس شكّاً، فرأى يد الله عز وجل كيف تعمل؟ شيء أحبّ أن يراه، ولا علاقة له بقوة الإيمان؛ لأن إيمانه لا شك فيه، وأثبته لنا القرآن الكريم بعبارة (أولم تؤمن قال بلى)، وكان يمكن في غير القرآن أن تحذف هذه العبارة.
في موقف شبيه بقصة العزير (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) البقرة) أراه مثالاً في نفسه هو، مسألة إحياء الموتى، كانت تداعب أذهان وفكر الكثيرين من باب الاطلاع على الشيء، ولمعرفته وليس للشك؛ لأنه كان هناك يقين بأن الله تعالى يحيي الموتى، وهذا هو الإيمان.