أما النعمة: فقال بعض المفسرين:إنها النبوة وتعاليمها وقال آخرون:إنها كل ما اصاب الإنسان من خير سواء كان في الدنيا أو الآخرة. وقال آخرون:إنها نعمة الدينقال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتيورضيت لكم الإسلام دينا) (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) والواقع أن النعمة هنا أيضاً تشمل كل هذه المعاني فهي نعمة الدين يجب أن يتحدث بها ويبلغ عنها وهي نعمة الدنيا والله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عباده وأن يتحدث الإنسان بنعم الله عليه وأن يظهرها والنعمة عامة في الدنيا والدين وعلى الإنسان أن يحدث بهذه النعمة. (النَّعمة بفتح النون وردت في القرآن بمعنى العقوبات والسوء كما في قوله تعالى: (ونَعمة كانوا فيها فاكهين) (الكافرين أولي النَّعمة)
س- لماذا اختيار كلمة (فحدث) ولم يقل (فأخبر)؟
ج – الإخبار لا يقتضي التكرار يكفيأن تقول الخبر مرة واحدة فيكون إخباراً أما التحديث فهو يقتضي التكرار والاشاعة أكثر من مرة، وفي سياق الآية يجب ان يتكرر الحديث عن الدعوة الى الله مرات عديدة ولا يكفي قوله مرة واحدة. ولهذا سمى الله تعالى القرآن حديثا: (فليأتوا بحديث مثله). فمعنى (فحدث) في هذه الآية هو المداومة على التبليغ وتكرارها وليس الإخبار فقط فيمكن أن يتم الاخبار مرة واحدة وينتهي الأمر.
وفي تسلسل الأحاديث في كتب السنة نلاحظ أنهم يقولون: حدثنا فلان عن فلان ويكررون ذلك مرة أو مرات عديدة حتى يصلوا إلى أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فالرسول الكريم يخبر بالحديث ثم يتناقله الصحابة فيما بينهم ويستمر تناقل الحديث حتى يعم وينتشر.
س- لماذا جاء ترتيب الآيات على هذا النحو؟ فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث.
ج- ثار هذا الترتيب الكثير من الأسئلة عند المفسرين, لماذا رتبت الآيات على هذه الصورة لأنه لا يرد بنفس تسلسل الآيات السابقة قال تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلا ًفَأَغْنَى (8))
لنستعرض الآيات واحدة واحدة: أما اليتيم فلا تقهر جاءت بنفس تسلسل الآية قال تعالى:(ألم يجدك يتيما فآوى) نفس النسق. أما السائل فلا تنهر كان من المفروض أن تأتي مقابلة للآية (ووجدك عائلا فأغنى) لكنها جاءت في مقابل الآية (ووجدك ضالاً فهدى)
(وأما بنعمة ربك فحدث)، كان يجب أن تقدم باعتبار النعمة دين ويجب أن تكون مقابل (ووجدك ضالاً فهدى)
لكن الواقع أن ترتيب الآيات كما ورد في السورة هو الترتيب الأمثل، كيف؟ اليتيم ذكر أولا مقابل اليتيم، ثم ذكر (وأما السائل فلا تنهر) قلنا سابقا إن السائل يشمل سائل العلم والمال وهنا أخذ بعين الاعتبار السائل عن المال والسائل عن العلم فهي إذن تكون مقابل (ووجدك ضالاً فهدى) وأيضاً (ووجدك عائلا فاغنى) لأن السائل عن المال يجب أن لا ينهر والسائل عن العلم يجب أن لا ينهر أيضاً وعليه فإن الآية جاءت في المكان المناسب لتشمل الحالتين ومرتبطة بالاثنين تماما.(وأما بنعمة ربك فحدث)، هي في انسب ترتيب لها فإن كان المقصود بالنعمة كل ما أصاب الانسان من خير في الدنيا فلا يمكن أن نتحدث عن النعمة إلا بعد وقوعها وليس قبل ذلك. والآيات السابقة تذكر نعم الله على الرسول فاقتضى السياق أن يكون التحدث بالنعمة آخراً أي بعد حدوث كل النعم على الرسول (صلى الله عليه وسلم).
وإذا كان المقصود بالنعمة الدين، فيجب أن يكون التحديث في المرحلة الاخيرة لأن على الداعية أن يتحلى بالخلق الكريم وفيه إشارة أن الانسان إذا أتاه سائل عليه أن يتصف بهذه الصفات قبل أن يبلغ الناس عن النعمة (الدين) فعليه أن لا يقهر يتيماً ولا ينهر سائلاً ولا يرد عائلاً وقد جاءت هذه الآية بعد إسباغ النعم وهو توجيه للدعاة قبل أن يتحدثوا أن يكونوا هينين لينين فقد قال تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) فعلى الداعية أن يتحلى بالخلق الحسن ولا ينهر سائلاً.
وكذلك جعل التحديث بالنعمة (وأما بنعمة ربك فحدث) جاءت بعد ( وأما السائل فلا تنهر) لان كل داعية يتعرض لاسئلة محرجة أحيانا تكون لغاية الفهم وقد تكون لنوايا مختلفة فعليه أن يتسع صدره للسائل مهما كانت نية السائل أو قصده من السؤال وعلى الداعية أن لا يستثار وإلا فشل في دعوته وقد يكون هذا هو قصد السائل اصلاً
من الدروس المستفادة من هذه السورة إضافة إلى ما سبق أنه يحسن للانسان تذكر أيام العسر والضيق لأنه مدعاة للشكر ومدعاة لمعاونة المبتلى أيضاً لذا يجب التذكير بالماضي وما يتقلب فيه المرء من نعم ليشكر الله تعالى عليها مهما كان في ماضيه من أذى أو حرج أو ضيق فلا بأس أن يتذكر أو يذكر به حتى يشكر الله تعالى على نعمه فيكون من الشاكرين لله تعالى.
س- كل آيات القرآن الحرف الأخير من كل آية ينتهي بتشكيل ولا يوجد سكون فما دلالة تشكيل آخر الحرف في الفاضلة القرآنية؟
ج- ليس جميع آيات القرآن لأنه هناك كما في قوله تعالى:(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) الضحى) هذه ساكنة. عندنا قاعدة: العرب لا تبدأ بساكن ولا تقف على متحرك.