آية (18):
* تكررت كلمة قميص في قصة يوسف عليه السلام ثلاث مرات وكان للقميص دور بارز في القصة (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18)) (وَقَدَّتْقَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ (25)) (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي (93)) فما دلالة وجود القميص ثلاث مرات في القصة؟(د.فاضل السامرائى)
لم أتبين القصد من السؤال لكن في ذهني ملاحظات أقولها في هذه المسألة لعلها تكون جواباً عن السؤال أو جزءاً من الجواب الذي يبتغيه السائل. أولاً ثلاث مرات استعمل القميص بيّنة في ثلاثة مواضع: استُعمِل بيّنة مزوّرة في قوله (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) هذه بينة مزورة وليست بيّنة صحيحة (بدم كذب) جاءوا يستدلون على قولهم أن الذئب أكله بالقميص الذي عليه دم كذب. هذه البيّنة مزوّرة، إذن استعمله أولاً بينة مزورة. واستعمله مرة أخرى بيّنة صحيحة للوصول إلى براءة يوسف (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) إذن الأولى كانت مزورة والثانية بيّنة صحيحة للاستدلال على البراءة. والبيّنة الثالثة استعمل بيّنة صحيحة للدلالة على أن يوسف لا يزال حياً (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) كانت بشرى لوالده وسبب لردّ بصره. بينة صحيحة في قميص يوسف وفي الرائحة تستعمل الآن بيّنة الكلاب البوليسية تستعمل للاستدلال على الرائحة. ليس بالضرورة أنه القميص الأول لكن يعقوب (عليه السلام) يعرف رائحة ابنه. وردت قميص ثلاث مرات واستعمل في كل مرة بيّنة، ثلاث بينات: بينة مزورة وبينة صحيحة للوصول إلى الحكم وبينة صحيحة للاستدلال على أن يوسف لا يزال حياً.
الأمر الآخر أنه استُعمل بداية لحزن يعقوب (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) ونهاية حزنه (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا). واستعمل ثلاث مرات في ثلاث مراحل من حياة يوسف (عليه السلام): وهو صغير (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ). إذن استعمل القميص بيّنة في ثلاث مواضع واستعمل لثلاث مراحل زمنية معاشية في حياة يوسف: المرحلة الأولى مرحلة رميه في الجب (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) صيّرته مملوكاً وعاش غريباً مع غير أهله، المرحلة الوسطى سجنه بعد الحادثة مع امرأة العزيز دخل مرحلة أخرى وهو السجن وهذه المرحلة لما بلغ أشدّه وصارت معيشة أخرى غير النمط الأول، والمرحلة الثالثة جمع شمله بأهله وسعادتهم أجمعين. إذن ثلاث مراحل الأولى عندما أصبح مملوكاً وفراقه عن أهله والثانية عندما صار سجيناً والثالثة اجتماعه بأهله.
هناك مسألة لما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون، إذن رائحة يوسف في القميص وهذا أمر ثابت أن لكل إنسان له رائحة خاصة لكن لا يميزها كل الناس وإنما تميزها الكلاب البوليسية.ثم من الناس من إذا عصبت عينيه تعطيه قميصاً تسأله لمن؟ يقول لفلان ويعرفه من الرائحة. وأذكر أن أحجهم أخبرني أن زوجة أخيه يغسلون ملابس العائلة كلها في الغسالة ويعصبون عيونها ويقولون استخرجي ملابس زوجك تشتمها وتجمع ملابس زوجها بعد غسلها وقالوا هي أشد من الكلاب البوليسية. إذن إني لأجد ريح يوسف وهذه مسافة طويلة وهذا يحصل. التمساح يشم رائحة الفريسة من كيلومترات. فإذن هذا أمر إشارة إلى أن لكل إنسان رائحة تصح وتصلح للحكم والاستدلال ونحن نستعملها للاستدلال.
هناك أمر آخر الملاحظ الموافقات في قصة يوسف: القميص ذُكِر في ثلاث مواطن والرؤى ثلاثة: رؤيا يوسف وهو صغير (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف)، رؤيا السجينين ورؤيا الملك. إذن القمصان ثلاثة والرؤى ثلاثة والرحلات إلى يوسف ثلاثة: الرحلة الأولى لما جاءوا يستميرون يوسف ليأخذوا الميرة (وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)) والرحلة الثانية لما جاءوا بأخيهم واستبقاه عنده (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ (69)) والمرحلة الثالثة لما قالوا (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ (88)). إذن ثلاث رحلات. القمصان ثلاثة والرؤى ثلاثة والرحلات ثلاثة من حيث العدد، هذا من الموافقات. الرؤى متغيرة ليست نفسها لأن الرائي ليس واحداً وإنما هي رؤى مختلفة والقميص ليس واحداً وإنما متغير أيضاً قميص وهو صغير وقميص لما بلغ أشده وقميص أرسله إلى أبيه.
*ما دلالة الوصف في الآية (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)
الوصف بالمصدر هذا يفيد المبالغة. عندما تصف بالمصدر كأنما تحول الشيء إلى مصدر تقول هذا رجل صِدقٌ ورجلٌ عدلٌ، (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ (18) يوسف) هذا أبلغ من كاذب.
*ما الفرق بين طوعت (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) المائدة) وسولت(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا (18) يوسف)؟(د.فاضل السامرائى)
سولت معناها زينت له، يقال سولت له نفسه أي زينت له الأمر، طوّعت أشد. نضرب مثلاً” الحديد يحتاج إلى تطويع أي يحتاج إلى جهد حتى تطوعه، تريد أن تطوع وحشاً من الوحوش تحتاج لوقت حتى تجعله يطيعك، فيها جهد ومبالغة في التطويع حتى تروضه وتذلله، المعادن تطويعها يحتاج إلى جهد وكذلك الوحوش والطيور تطويعها يحتاج إلى جهد وبذل.
التسويل لا يحتاج إلى مثل ذلك الجهد. إذن سولت أي زينت له نفسه، لذا ابني آدم قال: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) كان يفكر هل يمكن أن يقدم على قتل أخيه فاحتاج وقتاً لترويض نفسه ليفعل هذا الفعل وهو ليس كأي تسويل أو تزيين بسهولة تفعل الشيء وأنت مرتاح. التطويع يحتاج إلى جهد حتى تروض نفسه وتهيء له الأمر. وفي القرآن قال تعالى: (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي(96)طه) في قصة السامري هنا بسهولة وهذه أسهل من أن يقتل الواحد أخاه. لا يجوز في القرآن أن تأتي طوعت مكان سولت أو العكس وفي النتيجة العمل سيكون لكن واحد أيسر من واحد. سوّل وطوع بمعنى واحد لكن طوّع فيها شدّة.

اترك تعليقاً