آية (18):
*ما دلالة تكرار صفة (صم بكم عمي) بنفس الترتيب في القرآن؟ ولماذا اختلاف الخاتمة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) و( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)فى سورة البقرة ؟(د.حسام النعيمى)
في سورة البقرة قال تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)) نجد أن الآيات نزلت في المنافقين، المنافقون الذين رأوا الإيمان، وسمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كلام الله عز وجل، وكأنه يُفترض أنهم تذوقوا شيئاً من الإيمان، عُرِض عليهم الإيمان، ثم انتكسوا بعد ذلك، يعني تحولوا من الإيمان إلى الضلال، فمَثَلهم كمثل الذي استوقد ناراً، كأنه أُضيء أمامهم هذا الدين لكنهم لم ينتفعوا بذلك، وسمعوه وكأنهم لم يشهدوه (فهم لا يرجعون) لا مجال لهم للرجوع إلى الدين، في الظلمة (في ظلمات لا يبصرون) هذا الهائم على وجهه لا يعرف طريقه، فالتائه أول ما يفقد يفقد بصره، لا يرى، ولو كان يرى لعرف طريقه، حينما يفقد البصر يريد أن يتسمع كأنه لا يسمع فيحاول أن يصرخ لعل أحداً يسمعه، وإذا لم يسمعه أحد يحاول أن يبصر لعل نوراً ينبثق في داخل هذه الظلمة، لكن لا يبصر، فالصورة مختلفة.فهذا الترتيب(صم بكم عمي) فلا يوجد حرف عطف في آيتى سورة البقرة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) يعني هذه حالهم،أما فى سورة الاسراء(عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا) على نية تكرار العامل، يعني نحشرهم عمياً ونحشرهم صماً ونحشرهم بكماً، فيكون فيها نوع من التمييز للتنبيه أو للتركيز.
واستعمل في موضع آخر في سورة البقرة (لا يعقلون)، وسنتحدث عنها لاحقاً.
*ماالفرق بين( لا يرجعون )و( لا يعقلون )؟(د.حسام النعيمى)
تبقى مسألة في الآية التي سأل عنها السائل: في الآيةالأولى قال تعالى (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) بيّنا أنهم لا يرجعون إلى النور الذي فقدوه؛ لأنهم نافقوا وطُبِع على قلوبهم والعياذ بالله، فلا مجال للرجوع، فيناسبه (لا يرجعون). وفي الآية الثانية (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)). في الآية السابقة حين تكلم عن آبائهم قال (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً) فالمناسب أن تختم الآية الثانية (لا يعقلون)، فكما أن آباءهم لا يعقلون هم لا يعقلون.
والمسألة الثانية أن المثال الذي ضُرِب (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)) يعني أن صورة هؤلاء وهم يُلقى عليهم كلام الله سبحانه وتعالى كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء، مثل مجموعة أغنام ينعق الراعي فيها، يصيح فيها، وهذه الأغنام تسمع أصواتاً، لكنها لا تستطيع أن تعقلها، فكأن هؤلاء وهم يستمعون إلى كلام الله سبحانه وتعالى كالأغنام.
وعندنا آية آخرى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف) مثّلهم في كونهم لا يعقلون كلام الله سبحانه وتعالى ولا يستعملون عقولهم في إدراكه بالأغنام والبهائم. وهذه الصورة يناسبها كلمة (لا يعقلون).