آية (23):
*ما الفرق بين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) و(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)هود )؟(د.حسام النعيمى)
التحدي كان بأكثر من صورة، كان هناك تحدٍ في مكة، وتحدٍ في المدينة. والسور المكية جميعاً جاءت من غير (من) ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) الطور)، الحديث مطلق يمكن أن يكون آية أو عشر آيات أو سورة كاملة، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) بسورة مثله، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) هود) بعشر سور، (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم، فكان أحياناً يطالبهم بحديث، أحياناً يقول لهم: فأتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة مثل الكوثر أو الإخلاص، كان هذا في مكة.
في المدينة (في سورة البقرة) قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) كان القرآن قد انتشر، وصار أسلوبه معروفاً، فقال لهم (بسورة من مثله)، و(من) هذه للتبعيض، ولم يقل: بسورة مثله، كما قال سابقاً، لأنه لم يكن له مثل حتى يطالَبهم به ، وإنما ببعض ما يماثله، أو بعض ما تتخيلونه مماثلاً، ولا يوجد ما يماثله، فما معنى ذلك؟ معناه زيادة التوكيد.
حين تأتي (مثل)، مسبوقة بحرف في شيء ليس له مثل، فذلك توكيد، كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) الشورى) الكاف للتشبيه، ومثل للتشبيه، والمعنى: أنكم لو تخيلتم مثالاً لهذا القرآن فحاولوا أن تأتوا بمثل ذلك المثال ، بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه، فهذا أبعد في التيئيس، وإمعان في التحدي، وأبعد من قوله (مثله) مباشرة، وقد سبق أن قال تعالى (لا يأتون بمثله) .
*هل يمكن أن نضيف كلمة مفتراة في آية سورة البقرة؟(د.حسام النعيمى)
فنقول مثلاً: فأتوا بسورة من مثله مفتراة؟ كما قال في (مفتريات) في سورة يونس؟
هذا التعبير لا يصح من جهتين: أولاً: هم لم يقولوا: افتراه، كما قالوا في سورة يونس وهود، والأمر الآخر: وهو المهم، أنه لا يحسن أن يأتي بعد “من مثله” بكلمة مفتراة؛ لأنه عندما قال: من مثله – افترض وجود مثيل له، إذاً هو ليس مفترى، ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل، ومن هنا تنتفي صفة الافتراء مع افتراض وجود مثل له. والأمر الآخر: لا يصح كذلك أن يقال في سورتي يونس وهود مع الآية (أم يقولون افتراه) “فأتوا بسورة من مثله” بإضافة (من)، وإنما الأصح كما جاء في الآية أن تأتي كما هي باستخدام “مثله” بدون “من” (فأتوا بسورة مثله)، لأن استخدام “من مثله” تفترض أن له مثل، وبالتالي هو ليس بمفترى، ولا يصح بعد قوله تعالى (أم يقولون افتراه) أن يقول (فأتوا بسورة من مثله) لنفس السبب الذي ذكرناه سابقاً. إذاً لا يمكن استبدال إحدهما بالأخرى، أي لا يمكن قول (مثله) في البقرة، كما لا يمكن قول (من مثله) في سورتي يونس وهود.
*ما دلالة قوله تعالى (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، ولماذا لم يقل ادعوا من استطعتم كما في سورة يونس وهود ؟(د.حسام النعيمى)
في آية سورة البقرة عندما قال (من مثله) افترض أن له مثل، إذاً هناك من استطاع أن يأتي بهذا المثل، وليس المهم أن تأتي بمستطيع، لكن المهم أن تأتي بما جاء به، فلماذا تدعو المستطيع إن لم يكن ليأتي بالنصّ؟ لماذا تدعو المستطيع في سورة البقرة ما دام افترض أن له مثل، وإنما صحّ أن يأتي بقوله (وادعوا شهداءكم) ليشهدوا إن كان هذا القول مثل هذا القول، فالموقف إذن يحتاج إلى شاهد محكّم، ليشهد بما جاؤوا به، وليحكم بين القولين. أما في آيتي يونس وهود، فالآية تقتضي أن يقول (وادعوا من استطعتم) ليفتري مثله. فقوله تعالى (وادعوا شهداءكم) أعمّ وأوسع لأنه تعالى طلب أمرين: دعوة الشهداء، ودعوة المستطيع ضمناً، أما في آيتي يونس وهود فالدعوة للمستطيع فقط.
ومما سبق نلاحظ أن آية البقرة بُنيت على العموم أصلاً (لا ريب)، (من مثله)، (ادعوا شهداءكم)، والحذف قد يكون للعموم، ثم إنه بعد هذه الآية في سورة البقرة هدّد تعالى بقوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24))، والذي لا يؤمن قامت عليه الحجة، إذ لم يستعمل عقله، فيكون بمنزلة الحجارة.
*مادلالة قوله تعالى (ولن تفعلوا)؟(د.حسام النعيمى )
قوله تعالى (فإن لم تفعلوا)، هي الشرط، وقوله تعالى (ولن تفعلوا)هي جملة اعتراضية بغرض القطع بعدم الفعل، وهذا يناسب قوله تعالى (لا ريب فيه) .
*ما دلالة استخدام إسم الإشارة للبعيد (ذلك) في مطلع سورة البقرة ؟(د.حسام النعيمى)
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) في البقرة، بينما في آيات أخرى جاء اسم الإشارة القريب “هذا” كما في قوله تعالى في سورة الإسراء (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9))، ونقول أنه تعالى عندما قال: (ذلك الكتاب لا ريب فيه)، ثم دعا من يستطيع أن يأتي بمثله، وهذا أمر بعيد الحصول، ولذلك استخدم اسم الإشارة للبعيد: ذلك، إشارة إلى أنهم لن يستطيعوا أن يصلوا إليه أبدا. أما استخدام إسم الاشارة “هذا” فجاء مع الهدى، لأن الهداية ينبغي أن تكون قريبة من الناس حتى يفهموا ويعملوا. بينما في التحدي يستعمل “ذلك”؛ للدلالة على صعوبة الوصول إليه.
ونلاحظ أيضاً أن الآية (23))) جاءت مناسبة لما جاءفي أول السورة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) ومرتبطة بها حيث نفى الريب عن الكتاب في بداية السورة، ثم جاءت هذه الآية (وإن كنتم في ريب) فكأنما هذه الآية جاءت مباشرة بعد الآية التي في بداية السورة، (ذلك الكتاب لاريب فيه)، (وإن كنتم في ريب).

اترك تعليقاً