الرحمن الرحيم:
الرحمن على وزن فعلان، والرحيم على وزن فعيل، ومن المقرر في علم التصريف في اللغة العربية أن الصفة فعلان تمثل الحدوث والتجدد والامتلاء، والاتصاف بالوصف إلى حده الأقصى، فيقال: غضبان، بمعنى: امتلأ غضبا (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) لكن الغضب زال (فلما سكت عن موسى الغضب) ومثل ذلك عطشان، ريان، جوعان، يكون عطشان، فيشرب فيذهب العطش.
أما صيغة فعيل، فهي تدل على الثبوت في الصفات مثل طويل، جميل، قبيح، فلا يقال خطيب لمن ألقى خطبة واحدة، وإنما تقال لمن يمارس الخطابة، وكذلك الفقيه.
هذا الإحساس اللغوي بصفات فعلان وفعيل لا يزال في لغتنا الدارجة إلى الآن، فنقول بدا عليه الطول (طولان)، فيرد : هو طويل (صفة ثابتة)، فلان ضعفان (حدث فيه شيء جديد لم يكن)، فيرد: هو ضعيف (هذه صفته الثابتة فهو أصلا ضعيف)
ولذا جاء سبحانه وتعالى بصفتين تدلان على التجدد والثبوت معا، فلو قال: الرحمن فقط، لتوهم السامع أن هذه الصفة طارئة قد تزول كما يزول الجوع من الجوعان والغضب من الغضبان وغيره، ولو قال رحيم وحدها، لفهم منها أن صفة رحيم مع أنها ثابتة لكنها ليست بالضرورة على الدوام ظاهرة إنما قد تنفك.
مثلا عندما يقال فلان كريم فهذا لا يعني أنه لا ينفك عن الكرم لحظة واحدة، إنما الصفة الغالبة عليه هي الكرم.
فجاء سبحانه بالصفتين مجتمعتين ليدل على أن صفاته الثابتة والمتجددة هي الرحمة، ويدل على أن رحمته لا تنقطع، وهذا يأتي من باب الاحتياط للمعنى، وجاء بالصفتين الثابتة والمتجددة لا تنفك إحداهما عن الأخرى، لأن هذه الصفات مستمرة ثابتة لا تنفك البتة غير منقطعة.
فلماذا إذًا قدم سبحانه الرحمن على الرحيم؟
قدم صيغة الرحمن، والتي هي الصفة المتجددة، وفيها الامتلاء بالرحمة لأبعد حدودها؛ لأن الإنسان في طبيعته عجول، وكثيرا ما يؤثر الإنسان الشيء الآتي السريع، وإن قل على الشيء الذي سيأتي لاحقا وإن كثر (بل تحبون العاجلة) ؛ لذا جاء سبحانه بالصفة المتجددة، فرحمته قريبة ومتجددة وحادثة ولا تنفك.
ووقوع كلمة الرحيم بعد كلمة الرب يدلنا على أن الرحمة هي من صفات الله تعالى العليا، وفيها إشارة إلى أن المربي يجب أن يتحلى بالرحمة لا القسوة ، وتكون من أبرز صفاته، والرب بكل معانيه ينبغي أن يتصف بالرحمة سواء كان مربيا أو سيدا أو قيِّما، وقد وصف الله تعالى رسوله بالرحمة.

اترك تعليقاً