*(عبس وتولى) ما دلالة استخدام صيغة الغائب في الآية؟
ج- (د.حسام النعيمى): يسأل السائل لم قال: (عبس وتولى) ولم يقل (عبست وتوليت)؟ أولاً تفسير القرآن الكريم يكون من اللغة ويكون من المأثور مما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم). نحن عندنا في الصحيح أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يقول لابن أم مكتوم: أهلاً بمن عاتبني فيه ربي ويفرش له حتى يجلس. لكن هناك فرق بين أن يقال للإنسان عبست وتوليت ومحمد (صلى الله عليه وسلم) حبيبٌ إلى الله عز وجل هو حبيب الله فلا يواجهه ولا يفاجئه هكذا يقول له فعلت كذا. وإنما كأنه جعله غائباً (هو عبس وتولى) فقال (عبس وتولى) كأنه غائب ثم إلتفت إليه مرة أخرى فقال (وما يدريك لعلّه يزكى). والحادثة مشهورة في السيرة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يدعو رؤوس القوم وكان يرجو بإسلامهم إسلام سائر الناس وأحسّ أنه كأنما صار قريباً منهم وجاء ابن أم مكتوم وسمع صوت الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال له يا رسول الله علّمني مما علمك الله، علّمني مما علّمك الله، وهو (صلى الله عليه وسلم) يريد أن ينتهي من أمر هؤلاء بإسلامهم يسلم سائر قومهم فتغيّر وجهه (صلى الله عليه وسلم) قليلاً وإلتفت جانباً وأكمل حديثه معهم فجاء القرآن معاتباً له. وهذه الآيات من دلائل النبوة لأن ابن أم مكتوم كان أعمى ولم ير الرسول (صلى الله عليه وسلم). في البداية لم يواجه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وإنما تحدّث عن غائب لأنه حبيبٌ إلى الله عز وجل. ولاحظ كلمة عبست والعبوس فلا يفاجأ بها الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقال تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) ثم إلتفت إليه فقال: (وما يدريك لعلّه يزكى) رقة المعاتبة الأخيرة غير عنف المعاتبة الأولى. فالعنيفة جعلها للغائب ثم لما جاء للرّقة (لعلّه يزّكى) ولاحظ (لعلّ).