*كلمة الصراط وأخواتها في القرآن الكريم للشيخ الدكتور أحمد الكبيسي*
لعله من المناسب في عرض اللمسات البيانية في سورة الفاتحة ذكر ما أفاض به الدكتور أحمد الكبيسي بارك الله فيه في برنامجه: الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم على قناة دبي الفضائية في شرح كلمة الصراط وأخواتها في القرآن الكريم، وكيف أن كل كلمة منها وردت في القرآن في مكانها المناسب، والمعنى الذي تأتي به كل كلمة لا يمكن أن يكون إلا من عند العلي العظيم الذي وضع كل كلمة بميزانها، وبمكانها الذي لا يمكن لكلمة أخرى أن تأتي بنفس معناها.
مرادفات كلمة الطريق تأتي على النحو التالي:
إمام – صراط – طريق – سبيل – نهج – فج – جدد (جمع جادة) – نفق
وجاء معنى كل منها العام على النحو التالي:
إمام: وهو الطريق العام الرئيسي الدولي الذي يربط بين الدول، وليس له مثيل، وتتميز أحكامه في الإسلام بتميز تخومه. وقدسية علامات المرور فيه هي من أهم صفاته، وهو بتعبيرنا الحاضر الطريق السريع بين المدن (Highway). وقد استعير هذا اللفظ في القرآن الكريم ليدل على الشرائع (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) (الإسراء آية 71 ) أي كل ما عندهم من شرائع وجاء أيضا بمعنى كتاب الله (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس آية 12)
صراط: هو كل ممر بين نقطتين متناقضتين كضفتي نهر، أو قمتي جبلين، أو الحق والباطل، والضلالة والهداية في الإسلام، أو الكفر والإيمان. والصراط واحد لا يتكرر في مكان واحد ولا يثنى ولا يجمع، وقد استعير في القرآن الكريم للتوحيد، فلا إله إلا الله تنقل من الكفر إلى الإيمان (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ( الأنعام آية 161) (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) ( الأنعام آية 39) (اهدنا الصراط المستقيم) (الفاتحة آية 6) (فاتبعني أهدك صراطا سويا) (مريم آية 43 ) (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) (المؤمنون آية 74 )
والصراط عموما هو العدل المطلق لله تعالى، وما عداه فهو نسبي. (إن ربي على صراط مستقيم) ( هود آية 56 ) والتوحيد هو العدل المطلق وما عداه فهو نسبي.
سبيل: الطريق الذي يأتي بعد الصراط، وهو ممتد طويل آمن سهل لكنه متعدد (سبل جمع سبيل) (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ( العنكبوت آية 69 ) السبل متعددة، ولكن شرطها أن تبدأ من نقطة واحدة، وتصب في نقطة واحدة عند الهدف. وفيه عناصر ثلاثة: ممتد، متحرك، ويأخذ إلى غاية.
والمذاهب في الإسلام من السبل، كلها تنطلق من نقطة واحدة، وتصل إلى غاية واحدة. وسبل السلام تأتي بعد الإيمان، والتوحيد بعد عبور الصراط المستقيم. ولتقريب الصورة إلى الأذهان يمكن اعتبار السبل في عصرنا الحاضر وسائل النقل المتعددة، فقد ينطلق الكثيرون من نقطة واحدة، قاصدين غاية واحدة، لكن منهم من يستقل الطائرة، ومنهم السيارة، ومنهم الدراجة، ومنهم الدواب، وغيرها.
واستخدمت كلمة السبيل في القرآن بمعنى حقوق في قوله (ليس علينا في الأميين سبيل) (آل عمران آية 75 ).
وابن السبيل في القرآن هو من انقطع عن أهله انقطاعا بعيدا، وهدفه واضح ومشروع كالمسافر في تجارة، أو للدعوة، فلا تعطى الزكاة لمن انقطع عن أهله لسبب غير مشروع كالخارج في معصية أو ما شابه.
طريق: الطريق يكون داخل المدينة، وللطرق حقوق خاصة بها، وقد سميت طرقا، لأنها تطرق كثيرا بالذهاب والإياب المتكرر من البيت إلى العمل والعكس. والطريق هي العبادات التي نفعلها بشكل دائم كالصلاة والزكاة والصوم والحج والذكر. (يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) (الأحقاف آية 30)
نهج: وهو عبارة عن ممرات خاصة، لا يمر بها إلا مجموعة خاصة من الناس، وهي كالعبادات التي يختص بها قوم دون قوم، مثل نهج القائمين بالليل، ونهج المجاهدين في سبيل الله، ونهج المحسنين وأولي الألباب وعباد الرحمن، فكل منهم يعبد الله تعالى بمنهج معين، وعلى كل مسلم أن يتخذ لنفسه نهجا معينا خاصا به يعرف به عند الله تعالى، كَبِرِّ الوالدين والذكر والجهاد والدعاء والقرآن والإحسان وغيرها (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ( المائدة آية 48 ) .
وإذا لاحظنا وصفها في القرآن وجدنا لها ثلاث صفات، والإنفاق فيها صفة مشتركة:
نهج المستغفرين بالأسحار: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) ( الذاريات آية 17 – 19 ).
ونهج أهل التهجد: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) (السجدة آية 16).
ونهج المحسنين: (الذين ينفقون بالسراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) ( آل عمران آية 134 ).
فج: وهو الطريق بين جبلين (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) (الحج آية 27 )
جادَّة: وتجمع على جُدَد كما وردت في القرآن الكريم (ومن الجبال جدد بيض وحمر) (فاطر آية 27 ) والجادة هي الطريق الذي يرسم في الصحراء أو الجبال من شدة الأثر، ومن كثرة سلوكه.
نفق: وهو الطريق تحت الأرض (فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض) (الأنعام آية 35 )