* لمسات بيانية في آية الكرسي :(د.فاضل السامرائى)
“اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ”
آية الكرسي هي سيّدة آي القرآن الكريم. بدأت الآية بالتوحيد ونفي الشرك، وهو المطلب الأول للعقيدة عن طريق الإخبار عن الله، بدأ الإخبار عن الذات الإلهية، ونلاحظ أن كل جملة في هذه الآية يصح أن تكون خبراً للمبتدأ، (الله)؛ لآن كل جملة فيها ضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى: الله لا تأخذه سنة ولا نوم، الله له ما في السموات وما في الأرض، الله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، الله يعلم مابين أيديهم وما خلفهم، الله لا يحيطون بعلمه إلا بما شاء، الله وسع كرسيّه السموات والأرض، الله لا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.
“اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ”الحيّ معرّفة والقيّوم معرّفة، والحيّ هو الكامل الاتصاف بالحياة، ولم لم يقل حيّ؟ لأنها تفيد أنه من جملة الأحياء، فالتعريف بـ(ال) هو دلالة على الكمال والقصر؛ لأن ما سواه يصيبه الموت، والتعريف قد يأتي بالكمال والقصر، فالله له الكمال في الحياة، وقصراً فكل من عداه يجوز عليه الموت، وكل ما عداه يجوز عليه الموت، وهو الذي يفيض على الخلق بالحياة، فالله هو الحيّ لا حيّ سواه على الحقيقة؛ لآن من سواه يجوز عليه الموت.
القيّوم: من صيغ المبالغة (على وزن فيعول وهي ليست من الأوزان المشهورة) وهي صيغة المبالغة من القيام، ومن معانيها القائم في تدبير أمر خلقه، في إنشائهم وتدبيرهم، ومن معانيها القائم على كل شيء ، ومن معانيها الذي لا ينعس ولا ينام؛ لأنه إذا نعس أو نام لا يكون قيّوماً، ومن معانيها القائم بذاته، وهو القيّوم جاء بصيغة التعريف؛ لأنه لا قيّوم سواه على الأرض حصراً.
“لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ”سنة هي النعاس الذي يتقدم النوم، ولهذا جاءت في ترتيب الآية قبل النوم، وهذا ما يعرف بتقديم السبق، فهو سبحانه لا يأخذه نعاس، أو ما يتقدم النوم من الفتور او النوم، والمتعارف عليه أن يأتي النعاس ثم ينام الإنسان. ولم يقل سبحانه لا (تأخذه سنة ونوم) أو (سنة أو نوم) ففي قوله سنة ولا نوم ينفيهما سواءً اجتمعا أو افترقا، لكن لو قال سبحانه سنة ونوم، فإنه ينفي الجمع، ولا ينفي الإفراد، فقد تأخذه سنة دون النوم، أو يأخذه النوم دون السنة.
“لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ”دلالة (ما): ما تفيد ذوات غير العاقل وصفات العقلاء، إذًا لمّا قال (له ما) جمع العقلاء وغيرهم، ولو قال (من) لخصّ العقلاء. فـ(ما) أشمل وعلى سبيل الإحاطة. قال (ما في السموات وما في الأرض) أولاً بقصد الإحاطة والشمول، وثانياً قدّم الجار والمجرور على المبتدأ (له ما في السموات) لإفادة القصر،أي أن ذلك له حصراً لا شريك له في الملك (ما في السموات والأرض ملكه حصراُ قصراً فنفى الشرك). وجاء ترتيب (له ما في السموات وما في الأرض) بعد (الحيّ القيّوم) لدلالة خاصة: فهي تدلّ على أنه قيوم على ملكه الذي لا يشاركه فيه أحد غيره، وهناك فرق بين من يقوم على ملكه، ومن يقوم على ملك غيره، فهذا الأخير قد يغفل عن ملك غيره، أما الذي يقوم على ملكه فلا يغفل ولا ينام، ولا تأخذه سنة ولا نوم، سبحانه. فله كمال القيومية، وفي قوله (له ما في السموات وما في الأرض) إفادة التخصيص، فهو لا يترك شيئاً في السموات والأرض إلا هو قائم عليه سبحانه.
* ما دلالة استعمال صيغة المثنى للسموات والأرض في آية الكرسي؟
الكلام عن السموات والأرض بالمثنى؛ لأنه جعل السموات كتلة واحدة، والأرض كتلة واحدة، فيتحدث عنهما بالمثنى. لأنهما مجموعتان.
“مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ”دلالة واضحة على تمام ملكوت الله وكبريائه، وأن أحداً لا يملك أن يتكلم إلا بإذنه، ولا يتقدم إلا بإذنه مصداقاً، لقوله تعالى: (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) هذا الجزء من الآية والجزء الذي قبلها (له ما في السموات وما في الأرض) يدل على ملكه وحكمه في الدنيا والآخرة؛ لأنه لمّا قال (له ما في السموات وما في الأرض) شمل ما في الدنيا، وفي قوله (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) هذا في الآخرة، فدلّ هذا على ملكوته في الدنيا والآخرة، وأخرجه مخرج الإستفهام الإنكاري؛ لأنه أقوى من النفي.
فدلّ هذا على أنه حيّ قيّوم، كيف؟ لأن الذي يَستشفع عنده حيّ، والذي لا يستطيع أحد أن يتقدم إلا بإذنه يجعله قائما بأمر خلقه، وكلها تؤكد معنى أنه الحيّ القيّوم.
من ذا: فيها احتمالان كما يذكر أهل النحو: فقد تكون كلمة واحدة بمعنى (من) استفهامية لكن (من ذا) أقوى من (من) لزيادة مبناها (يقال في النحو: زيادة المبنى زيادة في المعنى)، فقد نقول من حضر ، ومن ذا حضر؟
(من ذا) وقد تكون كلمتان (من) مع اسم الإشارة ذا (من هذا) يقال : من ذا الواقف؟ من الواقف؟ ومن هذا الواقف؟ فـ (من ذا الذي) تأتي بالمعنيين (من الذي) و(من هذا الذي) باعتبار ذا اسم إشارة، فجمع المعنيين معاً.
في سورة الملك قوله: (أمّن هذا الذي هو جند لكم) هذا مكونة من (هـا) للتنبيه والتوكيد و(ذا) اسم الإشارة وكذلك (هؤلاء) هي عبارة عن (هـا) و(أولاء) . فالهاء تفيد التنبيه والتوكيد، فإذا كان الأمر لا يدعو إليها لا يأتي بها. فلنستعرض سياق الآيات في سورة الملك مقابل آية الكرسي: آيات سورة الملك في مقام تحدٍّ فهو أشد وأقوى من سياق آية الكرسي؛ لأن آية سورة الملك هي في خطاب الكافرين، أما آية الكرسي فهي في سياق المؤمنين ومقامها في الشفاعة، والشفيع هو طالب حاجة يرجو قضاءها، ويعلم أن الأمر ليس بيده، وإنما بيد من هو أعلى منه، أما آية سورة الملك فهي في مقام الندّ، وليس مقام شفاعة؛ ولذلك جاء بـ(ها) التنبيه للاستخفاف بالشخص الذي ينصر من دون الرحمن (من هو الذي ينصر من دون الرحمن) وهذا ليس مقام آية الكرسي. والأمر الآخر أن التعبير في آية الكرسي اكتسب معنيين: قوة الاستفهام والإشارة، بينما آية الملك دلت على الإشارة فقط، ولو قال من الذي لفاتت قوة الإشارة، ولا يوجد تعبير آخر أقوى من (من ذا) لكسب المعنيين، قوة الإستفهام والإشارة معاً، بمعنى (من الذي يشفع، ومن هذا الذي يشفع).
“يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ”يعلم ما أمامهم مستقبلاً وما وراءهم، والمقصود إحاطة علمه بأمورهم الماضية والمستقبلية، ويعلم أحوال الشافع الذي يشفع ودافعه، ولماذا طلب الشفاعة، ويعلم المشفوع له، وهل يستحق استجابة الطلب؟ هذا عام، فهذه الدلالة الأولية.
في سورة مريم قال تعالى: (له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك) فما الحكمة أنها لم ترد على هذا الأسلوب في آية الكرسي؟ في سورة مريم سياق الآيات عن الملك (ولهم رزقهم فيها، تلك الجنة التي نورث من عبادنا، رب السموات والآرض..) الذي يرزق هو الذي يورّث، فهو مالك، وقوله رب السموات، فهو مالكهم) أما في آية الكرسي، فالسياق عن العلم (يعلم ما بين أيدينا)، وبعد هذه الجملة يأتي قوله (ولا يحيطون بعلمه إلا بما شاء) أي ان السياق في العلم؛ لذا كان أنسب أن تأتي (يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا) وهذه الجملة هي كما سبق توطئة لما سيأتي بعدها.
“وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء”ما فائدة (ما)؟ هي تحتمل معنيين في اللغة، هنا تحتمل أن تكون مصدرية بمعنى (لا يحيطون بشيء من علمه إلا بمشيئته)، وتحتمل أن تكون اسماً موصولاً بمعنى (إلا بالذي شاء) وهنا جمع المعنيين أي لا يحيطون بعلمه إلا بمشيئته، وبالذي يشاؤه، أي بالعلم الذي يريد، وبالمقدار الذي يريد، المقدار الذي يشاؤه نوعاً وقدراً.
فمن سواه لا يعلم شيئاً إلا ما أراده الله بمشيئته، وبما أراده، وبالقدر الذي يشاؤه، والبشر لا يعلمون البديهيات، ولا علّموا أنفسهم، فهو الذي شاء أن يعلّم الناس أنفسهم ووجودهم والبديهيات التي هي أساس كل علم. ومِن سواه ما كان ليعلم شيئاً لولا أن أراد الله، تماماً كما في قوله في سورة طه: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) أي بذاته في المعنى.
إذًا لماذا ذكر نفي الإحاطة بالذات في سورة طه، ونفى الإحاطة بالعلم في آية الكرسي؟ في سورة طه جاءت الآية تعقيباً على عبادة بني اسرائيل للعجل، وقد صنعوه بأيديهم، وأحاطوا به علماً، والله لا يحاط به، لقد عبدوا إلهاً وأحاطوا به علما، فناسب أن لا يقول العلم، وإنما قال (ولا يحيطون به علما)، أما في آية الكرسي فالسياق جاء في العلم لذا قال تعالى (لا يحيطون بشيء من علمه).
“وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ”دلّ أولاً على أنه من ملكه (السموات والأرض من ملكه)، وقبل هذه الجملة قال تعالى (له ما في السموات وما في الأرض)، فدلّ على أن الذي فيهما هو ملكه أيضاً؛ لأن المالك قد يملك الشيء، لكن لا يملك ما فيه، وقد يكون العكس.
فبدأ أولاً ( له ما في السموات وما في الأرض) أي أن ما فيهما ملكه، لم يذكر أن السموات والأرض ملكه، وهنا ذكر أن السموات والآرض وما فيهما هو ملكه، وإن الكرسي وسع السموات والأرض كما ورد في الحديث القدسي (السموات والأرض كحلقة في فلاة في العرش، والكرسي كحلقة في فلاة في العرش)
فما الحكمة من استخدام صيغة الماضي في الفعل (وسع)؟ الحكمة أن صيغة الماضي تدلّ على أنه وسعهما فعلاً، فلو قال يسع لكان فقط إخبارا عن مقدار السعة، فعندما نقول تسع داري ألف شخص، فليس بالضرورة أن يكون فيها ألف شخص، ولكن عندما نقول وسعت داري ألف شخص، فهذا حصل فعلاً .
* ما معنى كرسيه في الآية ولماذا جاء السموات مع أن السماء أعم؟
الكرسي محل جلوس الملك، وفي التفاسير يقولون عن الكرسي والعرش كلاماً كثيراً، والسموات هي محل الملائكة ومنازلهم، والأرض محل الثقلين الجن والإنس. والملك ينبغي أن يكون على رعية، والرعية تكون في السموات والأرض وليس السماء، السماء عامة، والسموات يقصد بها السموات السبع.
وكما قالوا السموات السبع والأرض بالنسبة للكرسي كحلقة في فلاة كما في الحديث، والكرسي في العرش كحلقة في فلاة.
العرش أكبر، وقالوا: الكرسي محل القدمين، والعرش لا يُقدر قَدْرُه، هكذا في الآثار، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة.
العرش عندنا مكان الجلوس، والكرسي أقل، مع الملك نستخدم (عرش)، وفي البيت نقول (كرسي). فإذا وسع كرسيه السموات والأرض، فما بالك بالعرش؟!
ذكر الملك فقال السموات، ولم يقل السماء، وقالوا في اللغة: من معاني الكرسي المُلْك والتدبير والقُدرة؛ ولذلك قال المفسرون: هذا من المتشابه؛ لأن اللغة تحتمل معاني عديدة، (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) أي قدرته وملكه، ذهب من ذهب إلى هذا المذهب، قال: وسع ملكه السموات والأرض.
وحتى استعمال الكرسي، نقول الملك يجلس عليه، فللملك مُلك، وذكر هنا السياق في المُلك أيضاً.
(لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) يشفع: يتقدم بالشفاعة إلى من يكون صاحب الأمر، ويناسب هذا أن يحتاج إلى ساكن، والساكن هو في السموات والأرض الملائكة والثقلان، فإذًا كلمة كرسي هي الأنسب. (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) وسع كرسيه السموات والأرض فما بالك بعرشه؟
*ما هي اللمسات البيانية في الآية (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (255) البقرة)؟
مسألة الكرسي لها عدة تفسيرات، وفي الحديث أنه جسم محيط بالسماء والأرض، والكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة، وما في السموات والأرض كحلقة في فلاة بالنسبة للكرسي.
ما مسألة العرش والكرسي؟ الكلام عن العرش والكرسي، نحن نتكلم في اللغة، أما في الآية فالله أعلم.
العرش هو عرش الملك، العرش: ما يجلس عليه الملك له عظمة وهيبة يعظَّم بهيبة الجالس عليه، والقرآن استخدم العرش (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء (7) هود)، وقال (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) قالوا: الكرسي محيط بالسموات والأرض، والسموات والأرض وما فيهما كحلقة في فلاة بالنسبة للكرسي، والكرسي وما فيه كحلقة في فلاة بالنسبة للعرش. وقسم من المفسرين حاولوا أن يعطوا معاني أخرى، وقالوا الكرسي هو القدرة والتدبير والملك، وقسم قالوا هو العلم حتى يخرجوا من التجسيم والتشبيه، وأعطوه معاني أخرى. وفي اللغة يستعملون الكرسي مجازاً ويقصدون به الملك والتدبير.
“وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ”أي لا يثقله ولا يجهده، وجاء بـ (لا) للدلالة على الإطلاق، ولا تدل على الزمن المطلق، وإن كان كثير من النحاة يجعلونها للمستقبل، لكن الأرجح أنها تفيد الإطلاق (لا يمكن أن يحصل) .
والعليّ من العلو والقهر والتسلط والغلبة والملك والسلطان، والعلو عن النظير والمثيل. والعظيم من العظمة، وقد عرّفهما (أل التعريف)، لأنه لا عليّ ولا عظيم على الحقيقة سواه، فهو العليّ العظيم حصراً.
وهذين الوصفان وردا مرتين في ملك السموات والأرض في آية الكرسي في سورة البقرة، وفي سورة الشورى (له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم) والأمران في ملك السموات والأرض بما يدلّ على العلو والعظمة حصراً له سبحانه.
والملاحظ في آية الكرسي أنها ذكرت في بدايتها صفتين من صفات الله تعالى (الحيّ القيّوم)، وانتهت بصفتين (العليّ العظيم)، وكل جملة في الآية تدل على أنه الحيّ القيّوم والعليّ العظيم، سبحانه تقدست صفاته. فالذي لا إله إلا هو هو الحي القيوم، والذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو حيّ وقيّوم، والذي له ما في السموات وما في الأرض أي المالك والذي يدبر أمر ملكه هو الحيّ القيوم، والذي لا يشفع عنده إلا باذنه هو الحي القيوم، والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحاط بشيء من علمه هو الحيّ القيّوم، القيّم على الآخرين، والذي وسع كرسيه السموات والأرض هو الحيّ القيّوم، والذي لا يؤوده حفظهما هو الحيّ القيّوم؛ لأن الذي يحفظ هو الحي القيوم، وهو العلي العظيم.
والحي القيوم هو العلي العظيم، والذي لا تأخذه سنة ولا نوم، والذي له ما في السموات والأرض، والذي لا يشفع عنده إلا باذنه، والذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، والذي لا يحاط بعلمه إلا بما شاء هو العليّ العظيم، فكل جملة في آية الكرسي المباركة تدلّ على أنه الحيّ القيّوم والعلي العظيم.
…ومن الأمثلة على العطف في القرآن قوله تعالى في آية الكرسي (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)) ولا نوم معطوفة على سِنة، وما في الأرض معطوفة على السموات، خلفهم معطوفة على ما بين أيديهم، الأرض معطوفة على السموات، أما ولا يؤوده حفظهما فمعطوفة على لا تأخذه سِنة ولا نوم في أول السورة. فبرغم وجود أنواع متعاطفات كثيرة ومختلفة نعطف لا يؤوده حفظهما على لا تأخذه سِنة ولا نوم.
الخطوط التعبيرية في الآية: الملاحظ في الآية أنها تذكر من كل الأشياء اثنين اثنين، بدأها بصفتين من صفات الله تعالى (الحي القيوم)، وذكر اثنين من النوم(سنة ونوم)، وكرّر (لا) مرتين (لا تأخذه سنة ولا نوم)، وذكر اثنين في الملكية(السموات والأرض)، وكرر (ما) مرتين، وذكر اثنين من علمه في (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم)، وذكر اثنين مما وسعه الكرسي (وسع كرسيه السموات والأرض)، وختم الآية باثنين من صفاته (العليّ العظيم).
وقد ورد اسمان من أسماء الله الحسنى مرتين في القرآن: في سورة البقرة (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ومرة في سورة (آل عمران) في الأية الثانية (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) (لاحظ الرقم 2). والعلي العظيم وردت في القرآن مرتين في القرآن أيضاً، مرة في سورة البقرة (له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم) ومرة في سورة الشورى في الآية الرابعة (له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم).

اترك تعليقاً