آية (30):
* ما هو المكر في القرآن؟ وما المقصود بقوله تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال)؟ (د.حسام النعيمى)
الذي يلفت النظر أن الله تعالى قال عن نفسه (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) والشائع أن المكر فيه نوع من الدهاء. المكر هو التدبير وفيه نوع من الخفية والسرّية. المكر فِعل من الإنسان، المكر تدبير تستعمله العرب في الغالب للسوء والخداع كما أن اللغو هو تحريك اللسان بالكلام والألفاظ المصطلح على معانيها (اللغة)، لغا يلغو لغواً لكن صار له خصوصية أن اللغو هو الكلام في الموضوعات التي لا فائدة من ورائها ، هنا تخصيص دلالي للاستعمال وهو غير المعنى المعجمي. المكر هو التدبير في الأصل لكن الاستعمال اللغوي جعله لما فيه إساءة للمقابل، يمكر أي يدبر شيئاً مسيئاً لآخر، يقول تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) هذا المكر هو بسببك يا محمد ، هم جعلوك سبباً لمكرهم (لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) لديهم ثلاثة خيارات يفكرون فيها، كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مكة، والإثبات بمعنى الإقامة لكن العرب تستعملها لضربه بالسيف أو بغيره وإثخان جراحاته بحيث لا يتحرك وهو ليس موتاً (ليثبتوك) معناه ليثخنوك بالجِراح حتى لا تستطيع أن تتحرك وبعض العلماء قال ليس بهذا المعنى وإنما ليحصروك في مكان واحد. هم يريدونه أن يضربوه بسيوفهم من غير قتله يؤذوه في الجراحات فيلزم بيته ويبقى مدة في بيته يستقر وننجو من دورانه على القبائل و دعوته مع الناس، وقسم قال نقتله وقسم قال ننفيه من أرضنا، فهم يمكرون ويدبرون هذا التدبير والله تعالى له تدبير آخر (والله خير الماكرين) أي خير المدبرين أحسن من يدبر التدبير، هم تدبيرهم فاشل والتدبير الجيد من الله تعالى فأي التدبيرين أحكم وأفضل؟ تدبير الله عز وجل. إذا أخذنا الكلمة على المعنى اللغوي الأساسي أنها للتدبير، وإذا أردنا فيها معنى تدبير السوء فما يلقيه الله تعالى من سوء عليهم لأن إنجاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) سوء لهم ومكر عليهم وإيذاء لهم وخسارة لما هم فيه من مناصب وجاه وسلطة لما أقيمت دولة المدينة. مع ذلك يقول بعض العلماء أن الاستعمال هنا يسمى المشاكلة أي تستعمل اللفظة التي استعملها عدوّك بالمعنى المقارب وإن كنت لا تعنيه.(ويمكر الله) هذا المكر من الله ليس تدبيراً سيئاً في ذاته وإنما هو سوء لهم أو سوء عليهم والأصل في غير القرآن : ويدبر الله لهم العقاب. كما في قوله (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) صحيح أن اللفظة في دلالتها الأساسية عدوان لكنها في الحقيقة ردٌ لعدوان وإنما استعملت للمشاكلة. والعرب قديماً فهموا معنى مكر الله تعالى. وإذا رجعنا إلى الأصل اللغوي ليس فيه شيء وإنما المكر التدبير وهناك تدبير حسن وتدبير سيء ونحن يجب أن ننظر للكلمة كما كانت تستعمل عند نزول القرآن.
دلالة استعمال صيغة المضارع في (ويمكرون) لأنهم مستمرون بعملهم لم يتوقفوا عن ذلك، عندما كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مكة كانوا يشتغلون بهذا وعندما انتقل إلى المدينة لم يتوقف مكرهم والتحالف مع القبائل ومضايقة المسلمين لذا صيغة المضارع إشارة إلى الاستمرار، كلّه استعمله في الحال دليل الاستمرار (ليثبتوك، يقتلوك، يخرجوك).