السورة مكية ونزلت في وقت اشتد الأذى على الرسول والمسلمين في مكة وتعرضوا للاستهزاءوالاتهام كحال المسلمين الآن فجاءت هذه السورة وكأنها رسالة قرآنية من الله تعالى ليطمئن رسوله والمسلمين أن هذا الدين محفوظ من الله تعالى وما على المسلمين إلا الاستمرار في الدعوة والتركيز عليها وعدم الانبهار بقوة أعدائهم أو الاستشعار بالضعف والوهن والانهزامية أمام الأعداء.
الحجر هو مكان سكنت فيه ثمود الذين ابتعدوا عن منهج الله تعالى وكانوا قد نحتوه في الجبال ليختبئوا من الزلازل والصواعق بظنهم أنه مكان آمن لهم يقيهم ويحفظهم (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ) آية 82 ، لكن الله تعالى أهلكهم بالصيحة التي دخلت آذانهم فتركتهم صرعى ولم ينفعهم كل ما احتاطوا له ومكثهم في الحجر ما منع قضاء الله وعذابه من أن يحلّ بهم (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) آية 84. وفي هذا دلالة على أن الله تعالى هو الحافظ ولا يتم الحفظ أو الحجر بالوسائل المادية وهذا حجر ثمود أكبر دليل على ذلك. ولقد سميت السورة بسورة الحفظ لأن كل آياتها تؤكد أن الله تعالى يحفظ كل شيء، ولذا جاءت فيها آية 9 (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) خاصة دون غيرها من سور القرآن.
بداية السورة ونهايتها تتحدث عن حفظ الله تعالى للكون
(الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ) آية 1 و(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) آية 97،98،99. وكأن الآيات الأخيرة هي الحل والتوجيه حتى يحفظنا الله تعالى.
يحفظ القرآن (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) آية 9 ،والسموات والأرض (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ) آية 16 و 17،والرزق (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) آية 21 ،والمؤمنون وقد تحدثت الآيات عن الشيطان كيف واجه ربه بأنه سيغوي عباد الله إلا الذين حفظهم الله تعالى:(إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) آية 40 وقال تعالى:(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) آية 42.
وقد جاءت جزئية قصة إبليس عندما قال لربه:(قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) آية 39 في هذه السورة خاصة بمعنى أنه سيحاول أن يخدع المسلمين ويغويهم بالباطل لذا جاءت الآية بعدها (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) آية 88. فالسورة كلها تؤكد للمسلمين أن الله حافظهم والمؤمنون حقاً هم الذين يحفظهم الله تعالى من الشيطان ونزغه (إلا عبادك منهم المخلصين).