سورة طه: قال تعالى في أولها: (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)) إذن إنزال القرآن، وفي آخرها قال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130))
هناك (قراءة قرآن) وهنا (تسبيح)، في الأول قال: (لتشقى) وفي الآخر قال: (لعلك ترضى) والرضى نقيض الشقاء، إذا كان راضياً يعني ليس شقياً، إذا رضي عليه فليس شقياً، هذا أولاً لعلك ترضى لا لتشقى. ثم قال تعالى: (لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)) من رزقه الله هل يكون شقياً؟ لا والله. قال في أواخر السورة: (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)) يعني هم أرادوا تذكرة وقالوا: (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وقال: (إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى) فالتذكرة جاءتهم، هم أرادوا التذكرة وقد جاءتهم التذكرة. ثم قال: (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)) وهو قال تعالى: (تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا (4)) ما سألتموه موجود: أردتم التذكرة، تذكرة لمن يخشى أردتم الرسول، أنت يا محمد سبِّح ولعلك ترضى وما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ونحن نرزقك والعاقبة للتقوى.
قال تعالى في خواتيم سورة مريم: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)) والضمير هنا يعود على هذا القرآن, وقال في بداية سورة طه: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)) أي ما أنزلناه إلا لتبشر به المتقين لا لتشقى. وكأن الرسول كان يحمِّل نفسه الكثير.
وقال سبحانه في خواتيم سورة مريم: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)) وفي سورة طه قال سبحانه: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)) فما فيهما ومن فيهما له سبحانه، فكل ما في السموات وما في الأرض له سبحانه ومن فيهما هم عباده, ولهذا قال (إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) الكل سوف يأتي الله سبحانه وتعالى, وجملة (له ما في السموات والأرض) يعني الملكية, ومن في السموات هم عباده.
وفي ختام مريم قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)) وفي بداية سورة طه ذكر (قصة فرعون) إلى أن قال سبحانه: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)) فقوله تعالى: وكم أهلكنا، أي خذوا فرعون مثلاً .
ومن ثم فإن السورة وحدة واحدة, كل سورة تسلم لما بعدها.
قال تعالى في خواتيم طه: (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129)) ما هو الأجل؟ الأجل هو القيامة وفي أول الأنبياء قال: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)). قال في خواتيم طه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)) نسيتها يعني أعرض عنها وفي الأنبياء قال: (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) إذن ذكر الإعراض في السورتين.
قال تعالى في طه: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)) وقال في الأنبياء: (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)) ذكر ماذا قالوا فاصبر على ما يقولون. قال في أوائل الأنبياء (فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)) وفي طه قال: (وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133)).